"من حصّل شيئاً يستاهله".. حيث يرددها الكثير ويجعل منها مثلاً، وعرفاً، ومبرراً، وقناعة في العقل المجتمعي.. من يتأمل ذلك يجعلنا مبهورين مستغربين.. وأجدها لا تصح في الغالب. لأن واقع الأمر وحقيقته يثبت عكس ذلك، فكثير من الناس حصّل شيئاً وهو لا يستحقه ولا (يستاهله) فقد يكون حصّله بغير جهده بل قد يكون بخطأ غيره أو تأخر عنه، أو بسبب ما ساهم في تسهيل الأمر للحصول عليه، أو حتى صدفة، أو محسوبية، أو ميل فلا يعني أنه تمكن منه أنه استحقه. كما أن الاجتهاد أحياناً لا يعني أن نصل لمبتغانا.. لأن هناك من الموانع الكثيرة التي تحجب عنّا تحقيقه، وهناك من العقبات ما قد يردنا، وقد يكون لكل مجتهد نصيب لكنه نصيب قد لا يستحقه. من المهم حقاً ألا نقطع اجتهادنا بسبب أن فرصنا ونصيبنا قد تذهب للغير بل لابد من الاتكال على الله أولاً، ثم تأجيج العزيمة داخلنا، والإصرار على المتابعة والمنافسة حتى في حالات عدم الاتزان والعدل الاجتماعي. إن تعزيز مقولة كهذه تدّل على أننا لا نبصر الحقيقة الكامنة التي تعني الاستحقاق المشروع للوصول إلى نتيجة إيجابية في أمر ما..

بل إننا نسوّغ لكن من حصّل شيئاً ونجامله بأنه يستحقه فيجد في نفسه أن ما حصل عليه قليل بالنسبة لحجمه ما دامت الناس وصفته بأنه مستحق له.. كما أنه لا يعني بالضرورة حقاً أن لكل مجتهد نصيباً فقد لا يكون له نصيب خصوصاً في بعض أمور الحياة كالشهادات، والخبرات، أو كالتجارة وغيرها وما الخسائر التجارية والاقتصادية مع الاجتهاد والتحري إلا دليل.. إن حكاية الاستحقاق من عدمها - خصوصاً في مجتمعنا - لا تبنى غالباً على معادلات واضحة المعطيات، وصادقة الفرص.. فالفرصة لا تمثل استحقاقاً؛ لأنها قد تكون بنيت على معطى غير عادل للكل. هذا لا يعني أنه في كل الحالات أن هناك أحدهم حصّل شيئاً ولم يستحقه، بل قد تجد البعض بعد توفيق الله عز وجل استحق ما تحصّل عليه وبقوة من خلال اجتهاده الوفير، ومثابرته، وصبره، وتحمله. ولكن عكس الأمر في واقعنا قد يحدث أحياناً.. وبعد فضل الله يبرز سؤال هل لكل مجتهد نصيبه المستحق؟ وهل يعني أن غير المجتهد قد لا يحصل على نصيبه؟ أليس من الظلم أن يفوز من لا يستحق أمام من يستحق؟ أليس الواقع يرينا نماذج تدحض نظرية أن من حصّل شيئاً يستحقه؟ ألم نجتهد في بعض الأمور ونجد غيرنا يحصد نصيبنا؟ ختام القول: الكل يعلم أن الحكم على استحقاق شخص على شخص هو أمر صعب، ونسبي بسبب اختلاف القناعات، والقوانين التي نطلق منها أحكامنا.. كما أن المصالح تحتّم على البعض الخضوع لمثل تلك القوانين غير العادلة.. ومن المهم حقاً ألا نقطع اجتهادنا بسبب أن فرصنا ونصيبنا قد تذهب للغير بل لابد من الاتكال على الله أولاً، ثم تأجيج العزيمة داخلنا، والإصرار على المتابعة والمنافسة حتى في حالات عدم الاتزان والعدل الاجتماعي.. ولابد أن نعدِم تلك الأمثال المتوارثة فهي لا تمثل لا حقّاً ولا حقيقة بل كلها أقاويل يفترض ألا تبرّر ولا تغرّر.