إنّ ما نراه من المدرجات بين اللاعبين من أخلاق وتسامح وبسمات هو مقصد شرعي أخلاقي في كل أطر الحياة، ليس شرطًا بين مسلم ومسلم، أو قريب وقريب، بل بين بني الإنسان كلهم، بين المسلم وغير المسلم، بين القريب والغريب..

لا تستطيع بمفردك وبحضورك المجتمعي أن تتجاهل حدَثًا جماهيره مئات الملايين إن لم تكن مليارات من سكان الأرض، بينما الحدث نفسه لا تتجاوز مساحته عدة أمتار مربعة، يتنافس فيه فريقان متنافسان رياضيًا، يحيط بهما عشرات الآلاف من المشجعين، ومن بين هؤلاء المشجعين نعطي بهذا المقال نظرة لذلك التنافس، الذي يصل إلى أعلى مستوى من مشاعر الحزن والفرح عند الفوز والخسارة، بل تنقلب تلك الدقائق القليلة إلى حدث قومي تتبناه جماهير الفريق المنافس، بل وجل أبناء بلده وموطنه، تلك الدقائق التي جعلت فيها المنافسة مقيدة بضوابط وقوانين تحافظ على المقصد الأبرز والأسمى فيها، وهي «الأخلاق» فلم تكن تلك الكلمة في هذا الإطار فارغة من معناها، بل إننا لنرى الجماهير يمازح بعضها بعضًا، وتظهر فرحتها بإغاظة الجمهور المنافس بالأساليب التي تدون في محاسن الأخلاق، كذلك ما يحصل في الملعب بين اللاعبين أنفسهم، من شد والتحام ومخادعات مهاراتية، إلا أن آخر المنافسة يتقبل الخاسر خسارته فيذهب لمصافحة منافسه ويتبادل معه البسمات، كما يقال «روح رياضية».

أتساءل! هل تستطيع الدول والشعوب أن تنقل تلك الأخلاق والضوابط في معاملاتها الحياتية الأخرى؟

ففي التجارة تنافس، ومهارة اللاعب فيها، الإبداع والذكاء بعد توفيق الله، وقد أحيطت تجارات العالم أيضًا بضوابط وقوانين مشتركة، لكننا أحيانا نجد تلك المنافسات تخرج عن أطر الأخلاق لتصل إلى الإضرار بالجماهير والشعوب!

إن ما نراه من المدرجات بين اللاعبين من أخلاق وتسامح وبسمات هو مقصد شرعي أخلاقي في كل أطر الحياة، ليس شرطًا بين مسلم ومسلم، أو قريب وقريب، بل بين بني الإنسان كلهم، بين المسلم وغير المسلم، بين القريب والغريب، وقد ضرب لنا النبي صلى الله عليـه وآله وسلم، أروع مثال في ذلك، كما في الصحيح : «إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين وسقا من شعير ابتاعها لأهله»، فهل يا ترى كانت تلك المعاملة في إطار أخلاقي وتعامل نبوي كما قال الله تعالى: «وإنك لعلى خلق عظيم»، أم كانت معاملة غير ذلك؟ الجواب لا شك ولا ريب فيه أن معاملة النبي صلى الله عليه وآله وسلـم للكافر والمسلم معاملة تنطلق من مكانته النبوية، فأفعاله صلى الله عليه وآله وسلـم شرع لكل أمته.

نقول ما لا يجهله المسلمون، ويعتقدون أن أخلاق الإسلام أعظم وأوسع من أن يحتويها مقال أو حديث سويعة، ولا يتناقش في ذلك مسلمان، فهذا من مسلمات ديننا العظيم، أن الإسلام مصدر الأخلاق الفاضلة.

لكن ليس المقصود بالحديث هو الشعوب المسلمة، إنما المقصود هي تلك الشعوب التي قد لا يعلم الكثير منها تفاصيل أخلاق الإسلام، وإنما تأخذ صورة عن الإسلام من خلال الوضع العام، والإعلام غير المنضبط بضوابط المحافظة على الترغيب في الأخلاق، وأيضًا مما يحصل من بعض السياسات التي جعلت من شعوبها مضربًا في المثل في المجاعات والفقر والجهل، إذن ما واجب الفرد والمجتمع في ذلك؟.. الواجب هو التصرف بمسؤولية أخلاقية في الواقع وفي كل المنصات الإعلامية.

في المونديال العالمي هذا، أظهرت بلادنا - حرسها الله - تنافسا رياضيًا وبقوة، وفعلاً ساهمت الرياضة السعودية في رسم صورة حضارية عن المملكة، فإذا ما رأت الشعوب والجماهير العالمية هذا المنتخب اتجهت بأنظارها إلى واقع المملكة، فإذا بها تجد بلدًا أكثر تقدمًا وحضارةً وأخلاقًا وتعليماً، فتتغير نظرة تلك الشعوب لهذا البلد العريق خلافًا لما تحاول تصويره سياسات حكوماتها، انتهاكًا للأخلاق الرياضية بين الدول والشعوب، وقل بمثل هذا القول عن المنتخبات العربية التي شاركت في هذا التجمع العالمي، وكم نقلت للعالم من صور التكاتف والبر والصلة والتسامح والتعايش.

الشعوب المسلمة شعوب راقية، وقد استطاعت تجسيد وإظهار هذا التقدم والرقي على أرض الواقع وشاهده العالم كله.. هذا، والله من وراء القصد.