قد لا تخلو أحاديث مجلس من استدعاء أشياء من الطفولة، وتذاكر مشاهدها، وترديد نفحاتها، ولا يخلو من ذكر الحنين والشوق للعودة لشيء من مجريات الماضي هناك، ماذا ينقصنا اليوم لنبحث عن استزادة من الزمن الغابر؟
تطرحنا هذر الأسئلة أرضاً، تشعرنا بالرغبة في القرار إلى جهة ما، قد تكون جهة مقفلة، أوراق متناثرة بين سجل اللمم، هذا الماضي كم يعشق الطفولة، وكم لهذه الطفولة في ذلك الماضي.
لماذا حين تغمرنا الحياة نهرب للذكريات، ماذا نفتقد هناك، ماذا نبحث عنه؟ لماذا الذاكرة تختمر دوماً بأحلام وخيالات مزدحمة في فضاء الفراغ؟
تموت الأجوبة على أكف الاستغراب، وتحيا التساؤلات على أطراف التعجب، ويستمر الرحيل إلى مسارات الطين، وأزقة الحارة، والمسجد العتيق، والحلوى التي انتهت صلاحيتها، وذلك الباب المفتوح بالسعادة ومشرع بالبساطة، وأصوات الطيبة تترامى وتنتشر في أرجاء السكة الضيقة وبين أطفال لم يهربوا من المدرسة.
عندما ترهقكم الكهولة، اهربوا للطفولة ولترضوا بالحلوى لحل مشكلاتكم، هل سنرضى، ونعود بوعينا وعاطفتنا نستلهم براءة الخصام، وخصام البراءة؟ لا أعتقد ذلك عند البعض، فالتعلق أشبه بالانفلات، والرخاء تشابه بالشدة.
فعلاً لماذا نريد ونطرب شجناً، ونهيم حنيناً بالسفر إلى تفاصيل الطفولة وأحداثها وشخوصها، فتتساءل هل نفتقد الأطفال الذين كانوا معنا، أو شوقاً للظروف وطبيعة الحياة أم هروباً من الواقع أم لهفة لبساطة العيش؟ ماذا ستكون الإجابة؟!
قد لا تخلو أحاديث مجلس من استدعاء أشياء من الطفولة، وتذاكر مشاهدها، وترديد نفحاتها، ولا يخلو من ذكر الحنين والشوق للعودة لشيء من مجريات الماضي هناك، ماذا ينقصنا اليوم لنبحث عن استزادة من الزمن الغابر؟
حقيقة أجدها داخلي مهما دار بنا الزمن، وتلاشى التوقيت، ووصل بنا العمر حاول أن تحتفظ بشيء ولو بسيط من طفولتك وبراءتك بداخل قلبك وتحمل بعضاً من تفاصيلك، هناك لا يسقطك التغير، ولا يهزمك التحول، لتردد ما أجمل حكايات الأنس والإثارة مشاهد متدفقة!
هذا الدفتر الممزق مملوء بحبر الطين، ومتشقق من جفاف الواقع تسترجع ملامح الأصدقاء فتذوب الخيالات فتعتصر ذاكرتك لتلحق بكل ما تتذكر من أمنيات هائمة حولك.
اهربوا للطفولة لتشعروا بقيمة الحياة البسيطة في كل مراحلها، وفروا إلى زوايا الذكريات البعيدة حين تتناثر في أذهاننا، وتنثر مشاعرنا الدافئة فنتعطر بالسماحة ونرش حولنا من الضحكات لتملأ قلوبنا بالسهولة والراحة.
تعبرنا الأيام ونعبرها بلا حساب، ونتجاوزها بلا عداد نغفل ونسهو ونسقط في دورانها ونعود لنلامس شيئاً من الطفولة لا نعلم عماذا نبحث؟ وماذا افتقدناه لكي نصر دوماً على الرجوع إلى ذلك البعد الطفولي؟
يتكثف هذا التساؤل: لماذا الحنين والحاجة للعودة؟ ماذا واجهنا اليوم في أيامنا وحياتنا لنحنو إلى ماضٍ سحيق نبرز فيه من فتات المشاهد القديمة؟ هل هذا الجيل يشعر اليوم بما كنا نشعر به ونعيشه ونمر به؟ هل يستلذون ويستطعمون نكهات الطفولة القديمة اليوم؟ أم ساقتهم المقادير ودارت بهم عجلة الحياة فاستطابوا العيش المعقد ومستجدات الأمور.
ويبقى القول: الهروب للطفولة حالة نعيشها وتغطي عقولنا لأننا نلهث في الدنيا وتتقطع أنفاسنا، ولا نتوقف نتبع التغيير، ونلاحق الزحام، ونتابع كل تقليد فاستهلكنا ذواتنا وخواطرنا، قد يكون الهروب هروباً من واقع مترف أثقلنا وأنهك غاياتنا وأمنياتنا وحالاتنا، لعلنا نلمس شيئاً.
التعليقات