جريمة وآفة المخدرات ترويجها وتعاطيها يتشكل من فلسفة تحكمها وتديرها، تقوم على حزمة من المسببات والأسباب والنتائج والآثار وتتضمن فعليا اتجاهات من النزوع، وكمية ثقيلة من الدوافع المرتبكة لدى كل طرف مجرم شارك في هذه الجريمة.

والكل يدرك ببساطة كثيرا من الجزئيات التقليدية المتعلقة ببداية جريمة المخدرات التي تبنى على عملية سياسة الإغواء بشد الأفراد على سبيل التجربة ثم الاستحواذ عن طريق تعويد المدمن وإيصاله إلى مرحلة الإدمان التي يصعب الخروج منها إلا من رحم ربنا ثم استفاد من ممكنات الاستشفاء، ومراكز العلاج التي وضعتها الدولة لذلك.

لا شك أن الوعي لكثير من التفاصيل ودقائق الأمور وتطوراتها في هذه الجريمة مطلب عقلاني مهم يلامس أحقية العيش بأمان في موطن مستهدف ويدرك أهله حجم هذا الاستهداف.. القضية لا حياد ولا موضوعية فيها هناك خط جاد، وخطوات عملية دوما تسيطر على التعامل مع هذه الجريمة.

كفلسفة كريهة مبنية على شهوات أطراف لا ضمير لهم ولا دين ولا إنسانية يغرق التافه المروج في تحديات خاسرة منطلقا من البحث عن سبل استقطاب المدمنين وتسهيل عملية الترويج، وكيفية الاستحواذ على العقول والنفوس الضعيفة من خلال أدوات وأساليب يحددها الفكر الإجرامي في ترويج المخدرات.

ولا شك أن الدخول في هوامش وكوامن الشخصية الإجرامية وأيضا الشخصية المرضية التي يتم استقطابها، ندرك تماما أن جريمة المخدرات تكمن "في قطبين مشتبكين لا يتحقق دور أو فعالية القطب الأول دون الآخر، ولا يتحقق وجود الثاني دون وجود الآخر، وهما المروج والمتعاطي، فلا يتوقف الأمر فقط على ممكنات المروج أو الجالب للمخدرات للعمل على ترويجها، وإنما هناك أيضا المتعاطي الذي هو المستهدف أو الشخص الذي من المفترض أنه سوف يكون مستهدفا للتعاطي ومن ثم للإدمان، من هنا نجد أن هناك فلسفة للتعاطي تحكم المروج وينطلق على قاعدة منها وأيضا هو المؤسس لها، هذا التداخل والاعتماد بين المروج والمتعاطي يحقق معادلة متوازنة في الترويج والاستقطاب وفتح الأسواق، من هنا سوف نبدأ بفلسفة الاتجار بالمخدرات وترويجها.

جريمة المخدرات اليوم تتجه في مسارات محدثة من أساليب الخبث والخبائث وتتفنن في ابتكار طرائق لخداع المجتمعات المستهدفة وأفرادها، فتستغل حالة الفرد واستغلال الأوضاع المجتمعية إن كانت مرفهة، أو فقيرة، أو مندفعة نحو الانفتاح غير الموزون والتقليد الخانع على اعتبار أن المخدرات موضة أجنبية تروج لها الدعايات والإعلانات والتسويق الفني وتضمين الرسائل والمحتوى الإعلامي المشحون بدفع المتلقي للتأثر بذلك المحتوى والتفاعل معه.

وتتخذ فلسفة المروج عدة خطوات بناء على دراسة مسبقة من خلال استهداف نوعية الأشخاص فعادة لا تركز على كبار السن أو أصحاب الوعي والعلم والفهم والثقافة، فتكون غالبا الفئة المستهدفة في كل شيء هي الفئة العمرية وأهل المستويات العلمية البسيطة التي تكون على استعداد للتجريب، كما تبنى فلسفتها على استثمار ضعف الوازع الديني، وصرف الفرد عن دينه واخلاقه، وتكسير علاقاته، وتشويه أفكاره بمؤثرات مختلفة عبر الوسائل الاتصالية والتواصلية الممكنة ومحتواها كالأفلام والقصص والروايات، ورسائل الإقناع والتوجيه والتضليل.

كما تتم دراسة الآفات النفسية والمشكلات الأسرية وبعد الوالدين وتغذية أصدقاء السوء وتربيتهم، وتشمل مسحا مدروسا لمزاج الأفراد وحالة المجتمع وتشكيلاته وشرائحه ومتطلباته ومنافذ التأثير عليه، فمثلا حتى بالنسبة لكمية المخدرات أو نوعها يتم تحديده حسبما يتم رصده من حالة اجتماعية، أسرية، اقتصادية، ويتم توظيف أفراد قادرين على نشر الجذب المضاد أو الفكر المضاد، وهي تعتمد على قوة الجلب أو قوة الإقناع.

إذاً الواقع يخبرنا أن الموضوع لا يتعلق بكسب غير مشروع وربح محرم في كل الأحوال ولكن هناك أبعادا أخرى تحكم عملية ترويج وتهريب المخدرات حسبما يحكم الصراع والوضع السياسي والاقتصادي والأمني، لذا فمجتمعنا اليوم في حالة حرب نوعية ضد خصم غير مرئي لا يستخدم مسيرات ولا أسلحة ولا جحافل بل يستعمل تلك المخدرات بكل أنواعها وتفاصيلها كسلاح مدمر للفرد لهدم بنية المجتمع من الداخل وتحقيق غايات خبيثة لا ترتكز على الربحية المزعومة فقط بل هو سعي للوصول إلى أهداف بعيدة المدى للاستحواذ على شعب ما ووطن يتم استعداؤه؛ وهذا العداء من طرف شراذم محلية أو مجموعات ودول خارجية.

ويبقى القول: الوطن مسؤولية الجميع والمواطن مسؤولية الوطن فلا بد من التفاعل العقلاني والصادق ومكافحة هذه الجريمة والمصيبة الكارثية "المخدرات" بكل أنواعها وأشكالها ومسمياتها، فعلينا أولا أن نفعّل الوازع الديني داخلنا وننشطه بقوة ونحافظ على صلاتنا وعباداتنا التي تنهانا عن كل إثم، ثم علينا أن ننتبه ونحذر بجدية في واقعنا وأبنائنا وصحبتهم فلا نغفل ولا نُستغفل ولنستشعر المسؤولية بصرامة وشدة وحدة ولنستمر بالتوعية والتوجيه والإرشاد ودعم كل جهة أو مؤسسة تحارب هذه الجريمة، حيث لنا دور مهم يبدأ بمتابعة مستمرة من نعول ونوعيهم بجدية ونتلقى الرسائل التوجيهية التوعوية التي تبثها الجهات الحكومية ذات العلاقة كإدارة مكافحة المخدرات الشامخة بالتعاون مع الجهات الأمنية المتعاونة والحدود والجمارك التي تبذل جهودا مضنية؛ ليدفعوا بعون الله عنا شرور هذه الجريمة ويصدوا عدوان المتربصين بنا وببلادنا.. فكونوا لأنفسكم وأهلكم.