سلوكنا الطبيعي أن نقترب ممن نحب وممن نعجب به، اقتراباً لا نشعر به، اقتراباً حتف الأنف، كما لو كان التصاقاً، اقتراباً قد يكون السبب المحوري لتدمير أي علاقة مهما كانت متينة ومتبادلة!

نحن كائن اجتماعي لا يمكن أن يعيش وحيداً، نأمن لوجود الأهل من حولنا، نسعد لقرب الأحباب دوننا، المشكلة أننا مع الوقت نقترب أكثر من اللازم! نرغب أن نكون معاً دوماً، وفي كل وقت، قد يصل حد تملك الطرف الآخر، والرغبة بالسيطرة على تفاصيل يومه وخيارات حياته، ونتناسى أننا أفراد مستقلون، لكلٍ منا كيان وحياة وحدود، لكلٍ منا أهل وأصدقاء آخرون، ولسنا الوحيدون في حياة أي شخص، مهما كان مماثلاً لنا في الأفكار والاهتمام!

يقترب الأصدقاء من بعضهم، وهذا طبيعي كونهم يتشاركون الاهتمامات، فتجدهم يكونون في الأماكن نفسها ويتواصلون مع الفئات ذاتها، لكن الحتمية التي تحدث دوماً أننا نطلب المزيد، ونرغب بالاقتراب أكثر حتى نشبع عواطفنا، ويطمئن قلبنا، الأمر الذي ينقلب بالسوء على أي علاقة مهما كانت وثيقة وعميقة.

أتفهم أن نلتصق بأصدقائنا ونحن نتجاوز سوياً سنوات المراهقة، أن نلاحق أحباءنا في مراحل الحب الأولى، لكن أن يستمر ذلك وبالهوس نفسه فهي رصاصة لا بد أن تصيب العلاقة في مقتل، وتنهيها بشكل أسرع مما نتصور.

نعم الاقتراب من شخص آخر هو تجربة إنسانية فريدة، فهي أمن عاطفي وسكينة روحية، خاصة حينما يكون انجذاباً لصديقٍ عزيز يفهمك حق الفهم، لحبيب تسكن لقلبه ويسكن لك، لكن وجود مساحات بينكما سوف تعزز متانة العلاقة ويزيد الشوق ويضاعف الاهتمام، والأهم أن الاقتراب المدروس يجعل مشاركة لحظات النجاح والفرح أكثر سعادة، وأيضاً لحظات البوح والفضفضة أكثر صدقاً، وأكثر أثراً.

لا بد من مساحة بينكما، مساحة مكانية، وأخرى زمانية، وثالثة روحية، تمنح كلا الطرفين هامش حركة مختلف عما بينكها، مساحة تجدد القلب والروح، تبعد السأم وتجذب الاشتياق، وهذا ما وجدته لدى صديقيّ "فيصل" و"خالد"، اللذين أعرفهما منذ سنوات، ولاحظت عمق علاقتهما ببعضهما رغم أنهما لا يلتقيان كما يفعل أعز الأصدقاء، وليسا لصيقين كما نرى ممن يمثلهما في عمق العلاقة! والسر في استمرار عرى الصداقة لأكثر من ثلاثين عاماً أنهما لا يقتربان أكثر من اللازم، ويمنحان بعضهما مساحة كافية.

ابتعد قليلاً.. افسح المجال للهواء الطلق بينكما، دع النسمات تعبر، تنح عن أشعة الشمس.. حتماً سوف تسعد بعلاقة صحية مستدامة.