إن في علم الطبيعة والأحياء ما ينبهر عنده العقل لعظمة خلق الله سبحانه، فلعلك أيها الإنسان الحي موطنٌ لكثير من الأمم والأحياء التي جعلك الله لها مسكنًا، فالعلم الحديث أثبت بيقين أن على سطح بشرتك حياة لمخلوقات كثيرة، تسرح وتمرح وتحيا وتموت وتتكاثر..
نقرأ كثيرًا وتمر بنا كثيراً تلك الآيات التي تخبرنا عن قدرة الله سبحانه وأنها خارج نطاق الزمن وإدراك العقل المحدود، فتأتي تلك الآيات لتشير إشارة بالمثال إلى تلك القدرة التي لا تتصورها العقول «وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر» ففي تلك اللحظة التي استقرت في ذهن السامع أنها كلمح البصر، يحدث ما تحتاج آلاف السنين لمواقعته ومعايشته «إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون».
ففي قدرة الله وعلم الله تلك الحياة التي خلقت لها السماوات والأرض وتعاقب فيها البشر قرونًا بعد قرون، هي في نظرنا كذلك، حتى استبطأ المكذبون لأجل ذلك موعدهم «ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين» بينما هي عند الله بكل تفاصيل الماضي والحاضر واقع في تلك اللمحة! وهذا مما يعطي العبد معرفة بعجز عقله عن إدراك الله وأفعاله والإحاطة بحكمتها «لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار».
ما قادني للحديث هذا هو ما يقع في الكون من أحداث، كالخسوف والكسوف والزلازل والبراكين والفيضانات، فإن الجاهل قد يأخذه تفكيره السطحي إلى أن هذا البلاء أو الآية إما مرتبطة بالطبيعة ولا علاقة لفعل الله بها كما يظنه بعضهم، وبعضهم يعكس بأنه لا علاقة للطبيعة بها، ولا يرى فيها إلا العذاب المحض من القدير سبحانه. وكان ينبغي أن يجمع بين علم الوعظ والإيمانيات، وبين علم الطبيعة وما جعله الله أسبابًا يحصل بسببها ما يحصل، وأن تلك الأسباب التي تزامنت باختلالات كونية حدثت في بقعة ما مع ما يريده الله أن يقع من تصرف العباد تجاه تلك الحوادث، وكل ذلك كان في علم الله مسبقًا مكتوبًا كما وقع.
وما لا يدركه العقل أن كل ذلك يحدث في لمح البصر، فلا يذهب التفكير بخياله بعيدًا ويخرج به من حدود المسموح له إلى حيث "اللا زمن" وفي التنزيل«قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم فاسأل العادين قال إن لبثتم إلا قليلاً لو أنكم كنتم تعلمون» فقوله (قليلاً) جاءت منكرة حتى لا يسترسل العقل في حسابها بزمنه، فالأمر لم يعد يتعلق آنذاك بأيام الدنيا، ولم يتعلق بالسؤال عن المكث في القبر بعد الموت، بل «كم لبثتم في الأرض» وكأن السؤال لكل من سكن الأرض، فكانت الإجابة قليلاً (لا حد لقلتها) فكل ما استطاع أن يتصوره العقل من الزمن أنه قليل ووقع عليه في الحساب أنه قليل، فهو داخل في الإجابة، ولكنه ليس المراد فقد اختلف الحساب بعد زوال الدنيا.
إن في علم الطبيعة والأحياء ما ينبهر عنده العقل لعظمة خلق الله سبحانه، فلعلك أيها الإنسان الحي موطنٌ لكثير من الأمم والأحياء التي جعلك الله لها مسكنًا، فالعلم الحديث أثبت بيقين أن على سطح بشرتك حياة لمخلوقات كثيرة، تسرح وتمرح وتحيا وتموت وتتكاثر، وتمارس حياتها بكل أريحية كما قدرها الله لها، فذاك العالم صاحب المجهر حين يتجول بعلمه في خلاياك وبشرتك ويرى ما يجري في عالم المجهريات فهناك أيضًا تحصل الكوارث والمنقصات لحياة تلك المخلوقات، ولكنها حياة مصغرة تجري بعلم الله وقدره، ونحن إذا ما نظرنا لعظمة الكون فنسبتنا للكون قد تكون أقل من نسبة تلك الحياة المجهرية إلى أجسادنا وحياتنا، والكون كله خلقه الله بأمره ويخلق فيه ما يشاء، وما يجري في الكون مما لا نراه أو ما نراه في الأرض أو ما لا نراه في أجسادنا كله في كتاب مبين، وبنظام دقيق، ولا تختل جزئية من هذا النظام الدقيق إلا بأمر الله وعلمه ومشيئته وخلقه، ووجودها متعلق بحكمته وإرادته وقدرته ورحمته ومشيئته، لا يكون في ملكه إلا ما يشاء، ويحكم ما يريد. هذا، والله من وراء القصد.
التعليقات