وصف مورتون ديوتسش وهارولد جيرارد حاجتين نفسيتين تقودان البشر للتوافق مع توقعات الآخرين، وهما الحاجة إلى أن نكون على حق (التأثير الاجتماعي المعلوماتي) والحاجة إلى أن نكون محبوبين ومحط إعجاب الغير (التأثير الاجتماعي المعياري).
فالتأثير الاجتماعي المعلوماتي أو ما يعرف بالأثر الاجتماعي المعلوماتي أيضاً ظاهرة نفسية تفترض فيها الجماهير أن تصرفات الجماعة في حالة معينة تعكس سلوكاً صحيحاً.
والتأثير الاجتماعي المعياري أحد مظاهر سلوك الامتثال، وهو «تأثير الآخرين الذي يؤدي إلى اتباع أمر يجعلنا مرتبطين بهم ومقبولين من قِبلهم» وتشير المعايير الاجتماعية إلى القواعد غير المكتوبة التي تحكم السلوك الاجتماعي، وتعتبر هذه معايير سلوكية مألوفة يتشاركها المنتمون لثقافة ما بصورة موسعة.
وهذا يعني أن هناك من اختار أن يكون مؤثراً حراً فكرياً وسلوكياً، وآخر اختار أن يكون متأثراً مُنقاداً، ويكون الأثر والتأثير بأوجه عدة تتعدى تأثر المشاعر لتصل إلى السلوكيات والآراء والأفكار والمعتقدات والأفعال، وقد يؤدي هذا التأثر إلى اتخاذ قرارت مصيرية بدون فكر ممنهج ودراسة وافية وإنما من خلال الانصياع التام بعد التأثر بفكر معين ألقى بظلاله على المتأثر ليجد نفسه ينقاد دون شعور حول ما تأثر به.
فظاهرة التأثر ليست بالأمر الحديث أو وليدة اللحظة، إنما هي نشأت مع وجود البشرية وانتشار الحضارات وتوسع المجتمعات وتبادل الثقافات، فالتأثر بالآخرين أمر لا نستطيع تفاديه، لكن يجب أيضًا أن يعثر الشخص على معاييره الخاصة والتي تمثل شخصيته ويتعامل بها.
فهناك من يختار ويحدد مساراته في الحياة ويسير على خطى ثابتة يرسمها لنفسه متبعاً قواعد المعايير الاجتماعية التي تعتبر صورًا جماعية لسلوك جماعي مقبول وتصورات فردية لسلوك جماعي ما، يمكن النظر إليها على أنها نواتج ثقافية تمثل المعرفة الأساسية للأفراد بما يفعله الآخرون وما يتصورون أنه ينبغي عليهم فعله، بينما هناك من يحاول السير على هذا الطريق بالتأثر والتقليد الذي قد يكون تقليداً أعمى ودون أن يشعر ينجذب له أو دون وعي كاف يحول بينه وبين الانجراف والانسياق لما هو متأثر به ويعمل به دون أن يصيغ رؤيته الخاصة بمنظوره وفكره الشخصي الخاص به.
ولقد تعددت وسائل التأثير الاجتماعي وتنامت واختلفت صورها وكيفيتها، ولكن في يومنا الحالي أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي هي المؤثر الرئيسي الذي ينقل كل صور التأثير بسرعة البرق لينشرها بين مختلف الطبقات والأعمار والمجتمعات، دون توجيهها لسن أو جنس معين ودون هدف واضح ينقاد الكثير لفعل أمور كانت مرفوضة ثقافيا أو اجتماعيا أو سلوكيا وحتى دينيا في معظم الأحيان والتي تكون موجهة ومسيسة بطريقة مموهة وغير تقليدية لتصل لأكبر شريحة ممكنه من المجتمعات ويصعب تفاديها لكثرة تضليلها وتدليسها.
ويظل الأفراد المؤثرون لهم نصيب الأسد في هذا الغزو الفكري في التأثير وتغيير تفكير بعض الأفراد والجماعات فكونه في بعض الأحيان هذا الشخص المؤثر قد لا يعلم مدى قوة تأثيره وأنه قد يكون ساحباً لكثير من أشباهه أو ممن يتشبهون به دون علمه، أو حتى بعلمه إلا أن هناك من يدرس قوة هذا التأثير ليبثه بخطط مدروسة يغسل بها أذهان من انصاعوا له دون تفكير ووعي خلف هذا الفكر الممنهج.
ولا نغفل أن هناك من اختار أن يكون سراج منير يرشد ويضيء ما حوله بفكره وعلمه وعزمه وقوة تأثيره على جوانب عديدة، فهو اختار أن يكون قائدا لا مُنقادا يضع بصمته الخاصة في كل مكان يتواجد فيه ويبلور أفكاره لتكون عملاً يسر الناظرين، وهذا من يخلد أثره في المجتمعات وعلى مر التاريخ ويكون من يبقى له الأثر.
وهنا يجب أن يكون الشخص نفسه، ويتوقف عن التأثر بالآخرين بصورة عشوائية وانقياد تام وتقليد أعمى، وبناء على ذلك نكافح التأثيرات غير السوية والتي قد تؤثر تأثيراً سلبياً في الجيل الحالي بتثقيف المجتمعات وضرورة نشر العلم والثقافة والمعرفة ونبذ كل أمر مؤثر يغير من تركيبة الثقافة السوية والفكر النقي في المجتمع لكي لا يخلق جيلا منصاعا منقادا لكل ما هو غريب ورائج دون وعي وتخطيط لكي لا يصبح مجتمع ركيك البنية الفكرية غير قادر على حمل أفكار وسلوكيات يستطع تقديمها للجيل الذي يليه.
التعليقات