تسليع مؤسسة الزواج، بتحويلها إلى مناسبة للمقارنات الاجتماعية وإغاظة الآخرين، سيضرب بالتأكيد استقرار الحياة الزوجية، ويؤدي إلى الطلاق، والدليل وقوع حالة طلاق واحدة في المملكة كل عشر دقائق، مثلما تقول أرقام العام السابق..

متوسط تكلفة الزواج في المملكة عام 2023، يصل لقرابة 267 ألف دولار، وهذا المبلغ يخص العوائل صاحبة المداخيل العادية وليس الميسورين، لأنه لا يتوقف عند الزوجين، ويشمل حواشيهم وعامود النسب والأقارب من الدرجة الأولـــى والثانية وزملاء العمــل، وتكلفة شهر العسل أو أسابيع المغازلة كما يسميها الألمـــان، ومصروفـــات المجوهرات والحفل للجنسين، وهو بالتأكيد رقم كبير على من هم في سن الزواج، ورواتبهم الشهرية لا تزيد، في أحسن الأحوال، على ألفين ومئــــة وثلاثين دولاراً، فهم لا زالوا فــــي بـــــداية حيـــاتهم المهنـيـة، وقد تـــم قياس ما سبق استناداً لأرقام هيئـة الإحصاء السعودية في 2016، والتي حـــددت سن العنوسة في المملكة بـ32 عاماً.

لأنهـا وجدت أن 79 % من إجمالي السعوديات، يتزوجن فيه أو قبله، وفي 2022، كشفت ذات الهيئة عن ارتفاع في تكاليف الزواج، وأنه زاد في المتوسط بنسبة 32 % على أساس سنوي، وبمعدل شهري يقدر بحوالي 5 %، ومحاولات ضبط المسألة بـدأت في إمارة منطقة مكة عام 2015، وتحديداً من مهور الزواج، عندما وجهت محافظاتها بمكاتبة شيوخ القبائل لتحديدها، وبحيث تكون في حدود 13 ألف وثلاثمائة دولار لمن لم يسبق وأن تزوجن، وثمانية آلاف دولار لمن دخلن في تجربة زواج سابقة، ولكنها لم تحدث فرقاً يعالج المشكلة بالشكل المطلوب.

التكاليف ليست الإشكال الوحيد، بطبيعة الحال، وبحسب دراسة أجرتها جامعة أم القرى السعودية أواخر 2021، تم إرجاع ارتفاع عزوبية النساء، إلى إحساسهن بالاستقلال والاعتماد على الذات، والحصول على وظيفة دخلها جيد، ومن المنفرات الإضافية، تضخيم حوادث العنف الأسري في السوشال ميديا، وحالات الطلاق المرتفعة، وزيادة معدلات البطالة بين الرجال، وعدم تحملهم للمسؤولية، بمعنى أنه يكون بمثابة الشريك الصامت في العلاقة وليس العكس، ولعـــــل السبب يعود إلى أن فكرة النمــــوذج الأحادي، الذي تزامن مع الثورة الزراعية واستقرار الناس، وبحكم تفوق الرجل الجسماني والبيولوجي على المرأة، وقدرته على متطلبات الحياة القديمة، فإنه كان سيداً ومسيطراً على دوره القيادي في العائلة.

إلا أن كفتي الميزان اعتدلت، في الوقت الحالي، وتحول المجتمع إلى النموذج الثنائي، نتيجة لتناقص أعداد الرجال الغربيين بعد الحربين العالميتين الأولى والثانيــة، وحاجة سوق العمل لقوى عاملة أكثر من الموجودة، تساعد في تحريك مفاصله، ما أجبر المجتمعات الغربية على نقل المرأة من إدارة شؤون البيت إلى العمل خارجه في المجالات المختلفة، وبفعل أتمتة الثورة الصناعية والتقنية لم تعد القوة الجسمانية من الأمور المهمة.

الفيلسوف اليوناني سقراط، يعتقد بأن الندم حاصل في حالة الزواج أو العزوبية، لأنه في الأول ندم على ضياع المال والحرية والراحة، وفي الثاني ندم على طول الليل والوحشة وافتقاد الرفيق، وكلاهما أمران أحلاهما يطفح بالمرارة، وربما كان الندم الأكبر، في رأيي، هو قيام الشخص بالادخار لزواج قد يكلفه 35 عاماً من عمره، ومن ثم يجد نفسه في الستين وخارج الخدمة الزوجية والحياتية، والثابت أن ما يزيد على ثلاثمائة ألف شاب في المنطقة العربية، يقترضون للزواج سنوياً، وقروضهم تقدر بنحو أربعمائة ملايين دولار، وبعض العربيات يستأجرن فستان الزفاف لمدة يوم بقيمة ثلاثة آلاف دولار، وتسليع مؤسسة الزواج، بتحويلها إلى مناسبة للمقارنات الاجتماعية وإغاظة الآخرين، سيضرب بالتأكيد استقرار الحياة الزوجية، ويؤدي إلى الطلاق، والدليل وقوع حالة طلاق واحدة في المملكة كل عشر دقائق، مثلما تقول أرقام العام السابق، وفي دراسة قامت بها جامعة إيموري بولاية جورجيا الأميركية، لاحظ الباحثون أن تكاليف الزواج المرتفعة في أميركا، كانت وراء زيادة مصاحبة في نسب الطلاق، وأنها وصلت إلى 46 % في 2021، مقارنة بالأعوام التي سبقته.

بعض نساء القبائل في الكويت قمن بإصدار بيان لافت، وذلك في أغسطس من العام الحالي، وطالبن فيه بقصر احتفالات الزواج الكويتيــــة على حفل الزفــــاف وحده، بجانب التوقف عن دفع المهور المبالغ فيها، وهذه المبادرة يجب استثمارها والبناء عليها، حتى لا تتحول دول الخليج إلى مجموعة من المجتمعات الهرمة وغير المنتجة في المستقبل، كما هو الحال في بعض بلدان القارة العجوز، والمؤشرات المحلية تؤكد السابق من الناحية النظرية، ومن الشواهد، ارتفاع أعداد السعوديات غير المتزوجات ما بين عامي 2010 و2015، من مليون لأربعة ملايين، وفي عام 2022، ووفق المركز السعودي لاستطلاعات الرأي، سجل أن ما نسبته 39 % من السعوديين غير المتزوجين، يفضلون العزوبية على الزواج، ولن يحل العزوف إلا بوضع الزواج ضمن اشتراطات التوظيف أو الترقية للجنسين، ويمكن الاستفادة من التجربة الهندية في موضوع تكاليف حفلات الزواج، عن طريق تغريم من يقيمونها بموازنات تتجاوز حداً مالياً يقرره المشرع، وإلزامهم بدفع ما يعادل 10 % من إجمالي نفقات الزواج لخزينة الدولة، وبما يساعد في توفير قروض ميسرة لمن يرغبون في تكوين عائلة.