تعد الرواية العربية ذات العنوان الزمني قديمة الظهور، إذ ترجع شواهدها إلى تاريخ نشأة الرواية، فقد رأينا الزمن يلوح في الواجهة الأولى للرواية على نحوٍ واقعي معروف (الماضي والحاضر والمستقبل)، غير أننا قد نجد له أثراً آخرَ أكثر وضوحاً في المفارقات الزمنية، وأظن أن أكثر الدارسين والنقاد - العرب وغيرهم – قد انشغلوا بالزمن الداخلي عن الزمن الخارجي، أعني أنهم انصرفوا عن حضور الزمن الواضح في العنوان، وابتعدوا عن استجلاء أدبيته وشعريته، فتوجهوا في أكثر دراساتهم إلى بنيته العميقة، دون النظر إلى جمالياته الأولى في المستوى الظاهر، أو السطحي الذي يتجلى في العنوان، على الرغم من وفرة النماذج في الروايات ذات الزمن.

ومن يتأمل في عنوان الروايات العربية سيدهشه ذلك الكم الغزير من النماذج التي يومض عنوانها بالزمن، فقد يكون العنوان (استرجاعاً) كما في روايات من قبيل: (سلاسل الماضي - وداعاً يا أمس - كانت لنا أيام - عهد مضى - الماضي البسيط - نهاية الأمس)، وقد يكون العنوان (استباقاً)، كما في روايات من قبيل: (وأنتظر - سأبكي يوم ترجعين - سأبكي يوم ترجعين غداً - متى يعود المطر - غداً يوم جديد - حتى تعود - الدقيقة الثلاثون في الألف الثالثة بعد الميلاد - لن نموت غداً - عندما يأتي الليل - للزمن بقية - غداً تتبدل الأرض - غداً سيكون يوم الخميس)، وغيرها من الروايات.

وربما جاءت الروايات في عنوانها دالة على أوقات الشروق، والغروب، أو الليل، والنهار، أو الفصول والمواسم، كالصيف، والشتاء، والربيع، والخريف، أو تفاصيل الوقت، كالسنوات، أو الأيام، أو الشهور، أو الأسابيع، أو الدقائق، أو نحوها، فمن ذلك مثلاً روايات: (الأيام التالية - في الليل - شتاء البحر اليابس - أيام الجفاف - البيات الشتوي - ليلة الحناء - أرق الليلة الفاصلة - الغروب الأخير - قلب الليل - حديث الصباح والمساء صباح الورد - مات النهار - عام الفيل - تأخر الفجر - شمس الخريف - موسم الهجرة إلى الشمال - كان مساءً - مرت الأيام - الضحى والليل - عامان)، وغيرها من الروايات.

وعندما نتأمل في جملة من الروايات السعودية منذ نشأتها، نجد العنوان الروائي طافحاً بالزمن في كثير من النماذج، فمن ذلك مثلاً: (ومرّت الأيام - حياة مؤجلة - أسبوع الموت - فصل آخر في حياة الأشياء - أيام الرشيد ولياليه - تلك الليلة - الأيام لا تخبئ أحداً - عودة إلى الأيام الأولى - سوق الليل - وسوف يأتي الحب - موعد مهم جداً - إبحار في الزمن المر - صراع الليل والنهار - يوم التقينا يوم افترقنا - ليال قروية - حين تهطل السماء دموعاً - سنوات معه - امرأة توقف الزمن - إنسان خلف أسوار الزمن)، وغيرها من الروايات.

إن الزمن بوصفه عنواناً رئيساً للرواية، لا ينبغي إغفاله، أو الصد عنه، فهو ليس عنواناً عابراً، أو هامشيًّا، بل هو جمالية في حد ذاتها، تستحق الكثير من الالتفات، ولا سيما إذا رُبطت تلك الجمالية بالمفارقات الزمنية الأخرى التي تحدث داخل الرواية، عندئذ تصبح الرواية أكثر أدبيةً، وأغزر شعريةً، وينعكس ذلك على جمالية خطابها، كلما شعّ الزمن من عنوانها، وتوزّع في متنها وأعماقها.