رسالة الحبيب صلى الله عليه وسلم رسالة الجماعة، رسالة التأليف، والبناء، رسالة إعمار وإعلاء، رسالة تآلف وإخاء، تنشر الأمن، وتعبد الطرق للسالكين، فجاءت مليئة بالتعاليم الربانية، تبني مجتمعا إسلاميا مترابطا، متكاتفا، مثاليا في أخلاقه، متينة جذوره، مترابطة فروعه، متراصا لا خلل فيه، ولا تنافر بين لبناته.
لقد أنزل الله تعالى كتابه، وأرسل رسوله صلى الله عليه وسلم ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ظلمات الشرك والجهل، ظلمات الفرقة والاختلاف، ظلمات الجور والظلم ، ظلمات البغي والطغيان.
يخرجهم من تلك الظلمات، وينقذهم من التيه في دياجيرها؛ ليبصروا النور، ويهتدوا إلى الحق، ويسلكوا الصراط المستقيم.
ولهذا فإن رسالة الحبيب صلى الله عليه وسلم رسالة الجماعة، رسالة التأليف، والبناء، رسالة إعمار وإعلاء، رسالة تآلف وإخاء، تنشر الأمن، وتعبد الطرق للسالكين، فجاءت مليئة بالتعاليم الربانية، تبني مجتمعا إسلاميا مترابطا، متكاتفا، مثاليا في أخلاقه، متينة جذوره، مترابطة فروعه، متراصا لا خلل فيه، ولا تنافر بين لبناته.
قال صلى الله عليه وسلم: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
ويا لروعة المثل، يستطيع إدراك معناه كل عاقل، لا بد أن يكون يوما ما قد أحس بالألم في جزء من جسمه، تداعت معه حرارة الجسم فارتفعت، وأطرافه فانتفضت، ونفسه فانقبضت، حتى لكأن الألم يسرى في جسده كله، بل هو كذلك، ولا يمكن له أن يقول هذه رجلي وطئت نجاسة سأقطعها، ولكن يسارع إلى تنظيفها وإزالة الأذى عنها، لأنه يحبها، ويتألم بها ولها، فهي جزء منه، مهما كان هذا الجزء صغيرا أو مغمورا، فهو في الجسد، يؤدي مهمته، ويعين على الحياة التي لا تنعم إلا بالعافية في البدن كله.
وإنما جاء ضرب المثال بالبدن لتنوع أجزائه، واختلاف مهمة كل جزء، وأهميته، وقيمة الحياة دونه، إلا أن التكاتف بين الأجزاء الجسدية كامل، لا يقيم وزنا لهذا الاختلاف، ولا لتلك الأهمية. فمتى اشتكى أي عضو منه تداعى سائر الجسد يحس به، ويشعر بألمه، وينبه صاحبه لوجود ألم ما، في جزء ما من الجسد. وتداعى، أي: دعا بعضه بعضا للمشاركة في الألم، ويقال تداعت الحيطان، أي: تساقطت، أو كادت.
كما في قوله صلى الله عليه وسلم: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وشبك بين أصابعه.
إن الإسلام دين جماعة، يجمع ولا يفرق، فالصوم يوم يصوم الناس، والحج يوم يحج الناس، وكذلك الصلاة حيث ينادى بها مع جماعة المسلمين، وأما التفرد والتفرق، فبعيد عن منهج الإسلام، مخالف لهديه، معارض لتعاليمه. هذه هي الصورة التي يحبها الله للمؤمنين، ويريد منهم أن يتبعوها، بنيان تتعاون لبناته، وتتضام وتتماسك، وتؤدي كل لبنة دورها، وتسد ثغرتها؛ لأن البنيان كله ينهار إذا تخلت منه لبنة عن مكانها، تقدمت أو تأخرت سواء، وإذا تخلت منه لبنة أن تمسك بأختها، تحتها أو فوقها، أو على جانبيها سواء. قال ابن عاشور: والمرصوص المتلاصق بعضه ببعض، والتشبيه في الثبات وعدم الانفلات، وهو الذي اقتضاه التوبيخ السابق في قوله: لم تقولون ما لا تفعلون. اهـ
قال النبي صلى الله عليه وسلم: لتسون صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم. فهذه النصوص في التواد والتراحم، والتعاطف، وشد البعض للبعض، مما يثبت عناية الإسلام بالاجتماع والتراص، والتكاتف حين القيام لله في الصلاة، وحين التعامل في حالة الرخاء والسلم. فاجتماع الكلمة من أصول الدين، وراسخ أسس بنيانه القويم، ولهذا جاء في وصيته صلى الله عليه وسلم لنا أن نسمع ونطيع من ولاه الله أمرنا، في غير معصية الله تعالى.
فلا بد إذن من التعاون على البر والتقوى، ورص الصف بالألفة والتواد والتراحم، وسد الخلل.هذا، والله من وراء القصد.
التعليقات