تشير كلمة (إيكولوجيا Ecology) إلى العلم الذي يهتم بدراسة العلاقة بين الكائنات الحية -بما فيها الإنسان- والبيئة، وذلك من خلال فهم التفاعل الذي يجمع بين تلك العناصر، ويشمل ذلك الفهم أيضاً التعرف على النظام البيئي في تفاعله مع الإنسان، والحيوان، والنبات، والجماد، وتفاعل تلك المظاهر معه، وذلك ابتغاء الوعي العميق، والفهم الدقيق، لتفاصيل الحياة، وعوالم الطبيعة، وتوظيف تلك المعرفة في تحسين البيئة، وتنميتها، واستدامتها، فيما يحقق جودة الحياة للإنسان وبيئته وسط جوٍّ من التناغم والانسجام.

ومع أن الألماني (إرنست هيكل 1919م) من أوائل الذين أسسوا للإيكولوجيا، فإن دراساته البينية في هذا الجانب ربما تكون إرهاصاً لتفاعل الإيكولوجيا مع العلوم الأخرى، إذ كان طبيباً، ثم أستاذاً لعلم التشريح المقارن، وهو من أوائل العلماء الذين نظروا إلى أن علم النفس فرع من علم الفيزيولوجيا (علم وظائف أعضاء الإنسان)، كما أنه حاول الربط بين البيولوجيا الحديثة، والبيولوجيا التطبيقية، وعلم البيئة، ومن هنا كان -في نظري- من الذين أسهموا في التفكير البيني للعلوم في تقاطعها مع التخصصات المحاذية.

وانطلاقاً من هذا التصور يمكن أن نعد الإِيكُولُوجِيَا الأدبية، أو (إِيكُولُوجِيَا الأدب) شكلاً من أشكال هذا التفكير البيني، حيث بدأ الاهتمام بالأدب البيئي ونقده يظهر على الساحة الثقافية مؤخراً بعد أن يمّمَ نحوه نزر قليل من الباحثين العرب الذين حاولوا الانطلاق من تصورات ما بعد الحداثة، مستفيدين من دراساتهم الثقافية في بيئاتٍ علمية مختلفة، وأوساط أكاديمية متنوعة، أخذت تهتم بهذا الشأن البحثي الجديد، وتعيد النظر فيه، وقد تعرّفت على أستاذ أكاديمي مهتم في هذا الميدان، وهو أحد أعضاء رابطة الأدباء البيئيين العالمية، فأرشدني إلى بعض الدراسات التي تهتم بالتأصيل للأدب البيئي ونقده، مع بعض الأبحاث النوعية التي تطبق على ذلك الاهتمام.

كما اطلعتُ مؤخراً على المحاضرة العلمية القيمة التي قدمها الدكتور محمد اللويش ضمن أنشطة كرسي غازي القصيبي للدراسات التنموية والثقافية بجامعة اليمامة، وكانت بعنوان (النقد البيئي بين النظرية والتطبيق)، وقد عرض فيها لشيء من التأسيس لهذا المصطلح، وبخاصة أنه استفاد مما طرحه الأميركيون في مجال النقد الثقافي، والأدب البيئي ونقده؛ لهذا يحسب للدكتور محمد أنه من أوائل السعوديين الذين نادوا بهذا الاتجاه، وساهموا في حقله.

ومن هنا حاولت الدراسات في مجال الأدب البيئي ونقده الانطلاق من التفكير البيني الذي يجعل الأدب أكثر تحرراً وانفتاحاً مع التخصصات الأخرى؛ لهذا انبعث الاعتناء بإيكولوجية الأدب من زاوية بينية تقرّب الأدب من البيئة على نحو أوسع، ولا سيما أن الأدب يستثمر في البيئة بشكل لا يمكن حصره، فمنذ القديم ونحن نرى الشاعر والكاتب يتعامل مع البيئة في مختلف أنواعها، وأشكالها وأنماطها، وألوانها، وعناصرها، ويجعلها خادمة لإبداعه، وتجعله خادماً لها.

على أنه ليس كل أدب يتماهى مع البيئة، أو يتقاطع معها، أو يشير إليها، يعد أدباً بيئيّاً، إنما الأدب البيئي ما كان متعاملاً مع البيئة تعاملاً خاصاً، ومقصوداً، سواء أكانت تلك البيئة حيوانية، أم نباتية، أم جمادية، أم غيرها، وكلما كان الأدب منطلقاً من الإحساس بتلك البيئة، والوعي بتفاصيلها، والإحاطة بشؤونها، وشجونها، ودقائق أمورها، صار الأدب أكثر تفاعلاً مع البيئة، وأقرب روحاً للتعاطي مع متطلباتها، وتلبية مشاعرها؛ فمن ههنا يصبح الأدب بيئيّاً، وتكون البيئة ليست عنصراً مؤثراً فحسب، بل عنصراً متأثراً أيضاً.