لفت انتباهي وأنا أتجوّل في فضاء منصة (إكس) الشهيرة، ما أبدعه الدكتور حسن النعمي من سرد رياضي ماتع، وذلك في ملصقين جداريين يحملان توقيعه، وصورته، فالأول بعنوان: (سردية كأس آسيا 1)، والثاني بعنوان: (سردية كأس آسيا 2)، والحق أنني استمتعتُ معه في أجواء الحكاية التي أخذتني إلى زمن جميل، وماضٍ مليء بالذكريات والأحداث التي لا تنسى، يوم حصد أخضرنا السعودي أول ألقابه الآسيوية في (سنغافورة) عام 1984م، ولا غرو في أن يأتي السرد في هذه الملصقات منساباً رقراقاً؛ فالدكتور حسن هو أستاذ السردية المعاصرة والمسرح بجامعة الملك عبد العزيز، وهو باحث في السرديات العربية القديمة والحديثة، ويعزف كثيراً على أنغام القصة القصيرة جداً بشكل أنيق؛ لهذا فهو مع هذه السرود ابن بجدتها، وناظم عِقْدِها وحِليَتِها.
وقد حمل الملصق الأول هذا النص السردي الرياضي: «مع مبارياتِ كأسِ آسيا في الدوحةِ 2024، ومع انتصاراتِ منتخبنا عادت بي الذاكرةُ إلى زمنِ أول بطولةٍ فازَ بها منتخبُنا. كانَ الوقتُ عصرًا، يوم أن تجمَّعنا في غرفةٍ ضيقةٍ ننتظر أكبر حدثٍ في تاريخ كرةِ القدم السعوديةِ، الوصول لنهائي آسيا عام 1984م، وأهمُ محفلٍ رياضي في آسيا هو المباراة النهائية بين السعوديةِ والصينِ، يا لها من لحظةٍ لا تصدق وقتَها!! كلُّ بيتٍ أضمر داخلَه المشاعرَ والاهتماماتِ ذاتها، كلٌّ بيتٍ علا سطحَه من يتأكَّد من أريل التلفاز، هناك شخصٌ في الأعلى وآخرُ في الشارع، وثالثٌ قربَ البابِ، وآخرُ أمام التلفاز يتأكَّد من وضوحِ الصورة، الصوتُ يأتي من أعلى ليتأكدَ من جدوى تحريكه للأريل: (هاه؟)، وتنتقل (هاه؟) من واحدٍ إلى آخر حتى تصطدمَ بـ(لا) كبيرةٍ مع حسرةٍ متكررةٍ (لا)، ويصيبُ النفوسَ غيظٌ عنيفٌ، لكن لا بأسَ من أجلِ عيونِ المنتخبِ، وتتكَّررُ العمليةُ إلى ما شاء الله، حتى إذا أُنجزتِ المهمةُ ارتفعتِ الحناجرُ بالدعاءِ أن تهدأ الريحُ في وقتِ المباراة».
فالكاتب يضع مناسبة في أول نصه السردي، ثم يستهله من نقطة بداية آنية، ثم ينطلق في سرده من خلال المفارقة الزمنية (الاستذكار) إلى حيث ماضٍ قديم، فينقلنا معه إلى تلك الأجواء، واللحظات، ثم يصف حال الناس، ومشاعرهم، ثم يُدخل الحوار؛ ليعطي نصه السردي جمالاً، ويجعل المتلقي أكثر انجذاباً إليه، وربما لا يعرف بعض المعاصرين اليوم كيف كانت مشاهدة المباريات تحمل معها كثيراً من التعب، والقلق بسبب تقطّع الصورة التلفزيونية؛ ومن هنا استطاع هذا النص السردي الرياضي التفاعل مع نوعين من المتلقين: أحدهما الذي كان يسترجع مع الكاتب تلك المعاناة، فيتذكرها، ويستعذبها، والثاني هو الذي لم يدرك بعد تلك المعاناة، وبدت كأنها غريبة عليه؛ لهذا فالسرد في هذا الملصق يكشف عن بعض ملامح ذلك الزمن، ويومئ إلى التحول المدهش للزمن الحالي.
وفي الملصق الثاني يسرد الكاتب المباراة، فيقول مثلاً: «بدأت المباراةُ، وزاد التوترُ ومرت الدقائقُ، ولا شكلَ واضح للعب، جمدتِ الأطرافُ، وسادَ الصمتُ، وتصاعدت ضرباتُ القلوبِ، ولا أحدَ يشعر بمن حوله، وفجأة اهتزت الصورةُ، وأصبح اللاعبُ بلاعبينِ واختلطتِ الألوانُ، وتعالتِ الأصواتُ (...) مع بدايةِ الشوطِ الثاني بقليلٍ توقَّفَ البث لرفعِ أذانِ العصر، فانتقلنا إلى القناةِ الثانيةِ حسبَ توجيهاتِ المذيع...».
وأظن أن هذا السرد الرياضي نادر في فضاء الحكي المعاصر، وقد يكون أكثر تشويقاً؛ لأنه يلامس رغبة كثير من الناس، سواء أجاء في سرد المباراة، أم في سرد أجوائها الخارجية.
التعليقات