قبل أن ندخل إلى الحديث عن الخطاب الأخلاقي من المهم أن نشير إلى أن هذا الخطاب هو كل نصٍّ شعري أو نثري، مكتوب، أو شفاهي، أو مسموع، أو مرئي، ومعلوم أن تصنيف الخطاب إلى خطابات فعل معهود عند النقاد قديماً، منذ عهد (أرسطو) الذي ميّز بين خطاب شفوي، وتشاوري، وقانوني، وحدوثي، وإشاري، ونحوه، وهو فعل المعاصرين أيضاً الذين صنّفوا الخطاب إلى خطاب ديني، وعلمي، وأدبي، وتاريخي، واجتماعي، وتربوي، وسياسي، ورياضي، وخطابات أخرى متنوعة.

أما وصف الخطاب بالأخلاقي فذلك تصنيف آخر من بين تلك التقسيمات المتعددة، إذ هو لون من ألوان الخطاب يتوجه إلى الأخلاق الفاضلة، ويمتح منها، ويصب فيها، ويعلي من قدرها، ويرفع من مكانتها، ويعدد أشكالها، ويذكر أنواعها، ويتحدث عن سماتها، ويطبق عليها، ويدعو إليها، ويأخذ منها، ويتحلّى بها، ويشير إلى نماذجها، على أن هذا الخطاب قد يتوجه إلى الأخلاق غير الفاضلة، ومن هنا فالمعوّل عليه هو سمو الأخلاق، وحسنها، فالخطاب المتمحض للأخلاق الحميدة هو المراد والمقصود، وهو موطن الإبداع، ومستودع الجماليات.

ومن هنا يأتي وصفنا للخطاب بأنه أخلاقي من منطلق نقدي؛ ذلك أنه يتخصص في مجال معين، وهو الأخلاق، فمن هنا اخترنا أن يكون الخطاب أخلاقيّاً شكلاً ومضموناً، أما لماذا التركيز على الأخلاق؟ فلأنها ذات ارتباط بالإنسان، وهي صفات يتصف بها المرء، قد تكون سيئة، وقد تكون حسنة، ولهذا فالأخلاق على نوعين: إما أن تكون أخلاقاً حميدة، وإما إن تكون أخلاقاً قبيحة؛ وقد جاء تحديد الأخلاق في القرآن الكريم عندما وصف الله تعالى نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم - بأنه ذو خلق عظيم، قال تعالى: «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ»، وقال صلى الله عليه وسلم: «إنَّما بُعثتُ لأتمِّمَ مكارمَ الأخلاق»، وقال صلى الله عليه وسلم: «خيارُكم أحاسِنُكم أخلاقًا»، ففي الآية رُبِط الخلق بأنه عظيم، وفي الحديثين قُرنت الأخلاق بالمكارم، والمحاسن، وقد يكون الخلق مستقبحاً؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً. إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا، رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ»، ففي هذا دليل على أن الخُلُقّ قد يكون محموداً، وقد يكون مذموماً.

والذي ينظر في مؤلفات القدماء والمحدثين يجد لديهم اهتماماً مخصوصاً بالتأليف في هذا الميدان، ويمكن أن نذكر من أمثلة ذلك: الجاحظ (255هـ) في كتابه (تهذيب الأخلاق)، وابن حبان البستي (354هـ) في كتابه (روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)، ومسكويه (421هـ) في كتابه (تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق)، وابن حزم الاندلسي (456هـ) في كتابه (الأخلاق والسير)، أو (رسالة في مداواة النفوس وتهذيب الأخلاق والزهد في الرذيلة)، وابن عبد البر القرطبي (463هـ) في كتابه (بهجة المجالس وأنس المجالس)، وابن الجوزي (597هـ) في كتابه (صيد الخاطر)، وغيرهم.

وكذلك من ينظر في مؤلفات أدباء العصر الحديث سيجد ألواناً متنوعة من هذا الخطاب، بل إن بعضهم - كأحمد أمين (1954م) – قصد إلى التأليف في هذا الفن، وذلك في كتابه (الأخلاق)، ويعد مصطفى لطفي المنفلوطي (1924م)، ومصطفى صادق الرافعي (1937م)، وعباس محمود العقاد (1946م) من الذين توسّعوا في هذا الباب، ففي مؤلفاتهما حديث عن سمو الأخلاق، والتوقف عند جملة من الخصال الحميدة، والصفات الفاضلة، فعل ذلك المنفلوطي في (نظراته وعبراته)، والرافعي في مؤلفاته، والعقاد في (عبقرياته)، حيث أكدوا على أن الأدب تعبير وجداني يشعّ بالخير، والسمو، والجمال.