لا يزال طيفها يلوح في الأفق، أستشعر ظلها كما لو كانت هنا، رغم انتقال أمي "نورة بنت سليمان السويلم" جوار ربها قبل عامين -رحمها الله وأسكنها الفردوس الأعلى-، لا تزال شامخة في مخيلتي، حاضرة في فؤادي.

تعود بي الذاكرة نحو سنوات الطفولة الأولى في منزلنا العتيق وسط مدينة الرياض، حينما كنت انُصت لتلكم القصص الثرية العميقة، تلكم الحكايا التي شكلّت رؤيتي نحو العالم، وعززت مخزوني الثقافي، والأهم صقلت منظومة القيم، مما جعلني وأخوتي قادرين على حسن التعامل الأخلاقي مع تحديات الحياة، والفوز بالخيرات، مع المحافظة على القيم والمرتكزات.

طيف سيدتي يذكرني بالوفير من الحب والعطف، أتوق لصدرها الحنون، لرائحة حضورها العَطِر، يعيد لي ذكرياتي رائعة ومبهجة، لحظات لا تنسى، حسبي أني عشتها بالقرب من أمي، وكانت هي خير سندٍ وداعم.

طيف والدتي يذكرني بحرصها المتواصل على غرس حب الوطن في قلوبنا، والولاء لقيادته، كانت ممن يفرح لأي إنجاز وطني، تفتخر أنها سعودية، وأن صدارة بلادنا نعمة من المولى يجب أن نصوها، وأن نقدم نحن أبنائها وبناتها لبلادنا الطاهرة كل الغالي والنفيس دون أن ننتظر المقابل.

دوماً كنت منبهراً بثقافة والدتي الواسعة، رغم عدم حصولها على الشهادة الجامعية، لكنها عوّضت ذلك بسعة الاطلاع وغزارة القراءة، فهي من حبّب القراءة لأبنائها، وطعّمت مكتبة والدي بالعديد من أمهات الكتب والمنشورات الأدبية من روايات وقصص، وخاصة المترجمة، وجعلتها المصدر الأول للثقافة المنهجية، وهو ما انعكس ثقافياً وفكرياً. ناهيك عن حرصها على استكمال المسيرة الدراسية لأبنائها، في مجالات تخصصات مختلفة.

أدين لأمي تعليمها لي مهارة التخطيط المبكر، تدرّبت على يديها الكريمتين على مهارة التخطيط، وأنها الخطوة المحورية لنجاح أي حدث أو مشروع، كانت تكتب الخطط وتفصلها على مراحل، وتعمل على متابعة التنفيذ، وكذلك على تعديل الخطط ومواقيتها بناء على المستجدات، أيضاً تعزيز مهارات التواصل، وحسن الظن بالناس، وأن الخير لا يزال باقٍ ولم يندثر، وهو ما يزيد نظرتك الإيجابية للحياة.

طيف غاليتي يتجدد كلما ألقيت تحية أو تجاذبت أطراف الحديث مع أحد جيراني، إذ إنها غرست فينا حسن الجيرة، وضرورة الاهتمام بالجيران والسؤال عن أحوالهم وتفقدهم.

بالتأكيد لا شيء يعوض فقد الأم، وما يترتب على ذلك من خسارة الكثير عاطفياً ومعنوياً، ولكن حسبنا غرسها الذي أينع من ذرية صالحة، تستلهم طريقها من ذكرى توجيهاتها، وطيفها الذي ينير الدرب نحو الخير.

طيف والدتي يسعدني، ويشعرني أنها لا تزال هنا، كما كانت دوماً، قريبة وداعمة، دافعة ومساندة، كما هن الأمهات، رحم الله أمي وحفظ الله أمهاتكم، وحفظ لي والدي وعائلتي وأحباءكم.