يعد القصص أمراً مهماً في حياة كثير من الناس، ولا نبالغ إذا قلنا: إن الحياة لا تخلو من القصة في كل تفاصيلها، فالواعظ يحتاج إليها في وعظه، والمؤرخ يستند عليها في رواية الآثار والأخبار، والطبيب يلجأ إليها عندما يحاور مرضاه، ويستمع لمشكلاتهم، والقاضي يعتمد في أحكامه عليها عندما يسرد المتخاصمون أمامه قضيّتهم، وبخاصة عندما يسألهم، ويستمع إليهم، كما يستعين بها رجال المرور، والإطفاء، والشرطة، والإسعاف، والإنقاذ، ونحوهم، كل أولئك لا يتخلون عن القصة في معرفة الأسرار، وفك الألغاز، والوصول إلى الحلول، كما أن المعلّم محتاج إليها في شرحه وتفسيره، وكذا الأب، والأم، والمربّون عموماً، هم مضطرون إليها في توصيل رسائلهم التوجيهية إلى من هم دونهم.
ويكفي أن القصة موطن التفكر، ومصدر العِبرة والاتعاظ، ومكمن الحُسن، ولو بحثنا عن مواطن الإشارة إليها في القرآن الكريم لوجدناها في قوله تعالى: «فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ»، وقوله تبارك وتعالى: «قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا»، وقوله عز وجل: «لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ»، وقوله سبحانه وتعالى: «نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ»، وقوله عزّ من قائل: «يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا»، وقوله جلّ في علاه: «وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ».
ويعد حضور القصة في القرآن الكريم جليّاً، وكذلك في الحديث النبوي الشريف، وفي النثر العربي منذ القديم إلى يومنا هذا، وكذلك في الشعر العربي نجد فيه لوناً قصصياً أحيانًا، سواء في الشعر القديم أم الحديث، ويكاد أن لا يغيب اللون القصصي في مختلف العلوم، والمعارف.
هذا فضلاً عن الأثر الجمالي الذي تحدثه القصة من خلال التشويق، وجذب الانتباه؛ ذلك أن الناس تميل إليها، والأسماع تلّذ لها؛ ولهذا يقول الأديب والكيميائي المصري الدكتور أحمد زكي عاكف (1975م): «ليس ألذّ في أحاديث الناس من قصة، وليس أمتع فيما يقرأ الناس من قصة، والعقول قد تخمد من تعب، ويكاد يغلبها النوم، حتى إذا قلتَ قصةً ذهب النوم، واستيقظتْ العقول، وأُرهِفت الآذان..»؛ لذلك وُجد الأدب القصصي في الآداب العالمية، وفي ثقافات الأمم، وحضارات الشعوب، منذ نشأة الإنسان.
وانطلاقاً من أهمية القصة يأتي الاحتفاء باليوم العالمي للقصة القصيرة في الرابع عشر من شهر (فبراير) من كل عام؛ ليؤكد على أنها أدب رفيع ومؤثر، يتناسب سرده الموجز، وحكيه المختزل مع زمن السرعة اليوم، وهو ما يدعو إليه السرديون المعاصرون في جعل القصة أكثر جمالاً واختزالا؛ لذلك ظهر ما يعرف بالقصة القصيرة، ثم القصة القصيرة جداً (ق.ق.ج) بوصفها تحولاً كميّاً وكيفيّاً، وصار لكل نوع قصصي كتّابه، ونقاده، وأصبح هذا اللون السردي يتغيّا الحجم المختصر، وينشد الوصف العميق، ويتطلع إلى التكثيف، والإدهاش، والمفارقة.
لهذا تجلّت جمالية الإبداع القصصي القصير في غزارة الحكي، وكثافة السرد، وفق حيّز محدد، ولون حكائي متناسق، يضاف إلى ذلك ركن مهم وهو: اللغة المميزة التي جعلت القصة ألصق بالأدب وجمالياته، وهي معايير مهمة حدت بالقاص الأمريكي (إرنست ميلر همينغواي 1961م) إلى أن يقول مستشعراً قيمة الفن القصصي القصير: «على الكتّاب أن يكتبوا واقفين، فإنهم حينها سيتقنون كتابة الجمل القصيرة».
التعليقات