هذا عنوانٌ عريضٌ للندوة الاحتفائية التي نظّمتها (الجمعية العلمية السعودية للغة العربية) في جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض قبل أيام، وذلك في مساء يوم الأربعاء الحادي عشر من شهر شعبان من العام خمسة وأربعين وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية، الموافق لليلة الثاني والعشرين من شهر فبراير من العام أربعة وعشرين وألفين ميلادية، وتأتي هذه الندوة في عنوانها (اللُّغةُ العَرَبِيَّةُ وَيَومُ التَّأسِيسِ) احتفاءً بجانبين مهمين: أولهما وطني، يستذكر تاريخ الآباء والأجداد، ويستعيد هذه الذكرى العزيزة في تأسيس البلاد، وثانيهما لغوي، يربط اللغة بأصلها، ويشير بها إلى مقرّها وأهلها، وعندئذٍ تتحقق من وراء هذه الندوة غايتان مهمتان، وهما: تعزيز الهوية الوطنية، وترسيخ الهوية اللغوية.
ولعل الجميل في هذه الندوة أنها انطلقت وفاق هذا العنوان الوطني من أركان اللغة العربية الثلاثة: (اللغة – الأدب – البلاغة)؛ فهي لم تتناول هذه المناسبة من زاوية واحدة فحسب، أو زاويتين فقط، وإنما حاولت أن تكشف عن حضور هذه الركائز اللغوية الثلاث فيما يخدم الوطن، ويعزز من قيمة اللغة، فعلى صعيد البلاغة قدّمت الدكتورة زكية العتيبي أستاذ البلاغة والنقد بجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن ورقة علمية ماتعة درست فيها بلاغة (الأمر الملكي المتعلق بيوم التأسيس)، وكان عنوان ورقتها: (إستراتيجيات الخطاب السياسي في الأمر الملكي للملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله– المتعلق بيوم التأسيس، وأثره على المجتمع السعودي).
وعلى صعيد اللغة انبرى الدكتور فهد المغلوث أستاذ النحو والصرف واللسانيات المشارك بجامعة حائل للحديث عن بعض الظواهر اللغوية التي لمسها في بعض النصوص والخطابات في زمن التأسيس، وذلك في ورقته الرائعة التي بعنوان (ظواهرُ لسانية في خطابات من زمن التأسيس، وأثرها في تجلية المعنى)، وقد عرض فيها لخطابات متنوعة، سلّط من خلالها الضوء على ما يمكن أن يجده اللغويون من مواطن نصيّة مهمة تستحق الدرس والتحليل، وتنبئ عن حضور لغوي متميز في ذلك الزمن.
وعلى صعيد الأدب تصدّى الدكتور حمدان الحارثي -مدير الإشراف التربوي بالخرج، متخصص في الأدب السعودي، ومن أهم المشتغلين في أدب الرسائل السعودي– لاستعراض نوع أدبي مهم كان له حضوره الفاعل في زمن التأسيس إلى يومنا هذا، وهو فن الرسائل، حيث قدّم لمحة مهمة عنه منذ ذلك الزمن إلى عهد المؤسس الملك عبد العزيز -رحمه الله- وذلك في ورقة متميزة بعنوان (أدب الرسائل في العهد السعودي: من زمن التأسيس إلى زمن المؤسس)، وقد فتحت هذه الورقة نافذة على الأفق لاستشراف أدب الرسائل من عهد الملك المؤسس -رحمه الله- إلى عهد الملك سلمان بن عبد العزيز –حفظه الله– وعصر رؤية سمو ولي عهده الأمين -رعاه الله-.
وقد أدارت هذه الندوة الاحتفائية -بتألق ونجاح- الدكتورة أريج السويلم، أستاذ الأدب والنقد المساعد بجامعة الملك سعود، مدير التحرير الثقافي في صحيفة رسالة الجامعة، وحضرها سعادة رئيس الجمعية د. بدر الراشد، ونائبه، وأعضاء مجلس الإدارة، وبعض الأعضاء العموميين، وجمع طيب من اللغويين، والأدباء، والنقاد، والمثقفين، والمهتمين، وأنبأت هذه الندوة عن رؤية الجمعية في تعزيز قيمة اللغة العربية وعلومها، بما يتماشى مع الهوية الدينية والوطنية، ولا سيما أن اللغة العربية هي لغة البلاد الرسمية، وهي أحد أشكال المكون الثقافي الذي تسعى لتحقيقه رؤية المملكة العربية السعودية 2030
التعليقات