على الخطيب الذي يعتلي منبره أن لا يكون كسولًا في التحضير، فيعيد خطبته المكررة في كل مناسبة حتى كاد المصلون المعتادون سماعه أن يحفظوها، وهنا تكمن براعته في تجديد طريقة تذكيره بالمناسبة المتكررة كل عام، وليس رمضان المنفرد بالتكرار، فهناك مناسبات عديدة تعود على المرء في حياته، منها المناسبات الدينية، كرمضان، والعيدين، وعاشوراء..

في حياتنا الرقمية الحديثة زر إعادة التشغيل، تضغطه متى أردت استماع المقطع أو مشاهدة المشهد مرة أخرى، أو ربما مرات عديدة!

وفي حياتنا الوعظية أيضا زر غير مشاهد يعيد المقطع مرات ومرات، لا يكل منه ولا يريد تجديده.

ونحن على مشارف الشهر الكريم – بلغنا الله إياكم ونحن في أحسن حال – سيعيد الواعظون تكرار مواعظهم، التي ألفها الناس وحفظوها.

ولا شك أن هناك ما يحتاج المرء إلى التذكير به، مرة ومرة، وفي كلام الله جل في علاه ما يشعر بهذا، فقد أعيد فيه ذكر قصص بعض الأمم، وأعيد فيه الأمر بالتقوى وغيرها، لكن كلام الله لا يخلق عن كثرة الرد، ثم هو أيضا يتفنن في إعادة القصة من زوايا مختلفة، يختصر حينا، ويسهب حينا.

وكلام البشر يُملُّ إذا أعيد، ويحتاج المذكر فيه إلى التجديد، وإن كان الموضوع واحدا لا يمكن تجديده، فالصوم فرض لا يمكن تغيير ذلك في الخطاب، ولكن حث الناس وترغيبهم فيه هو الذي يحتاج إلى تجديد الطرح، وإعادة النظر في الأسلوب، واستعمال اللوحات الممكنة تقنيا، وذهنيا، وذكاء اصطناعيا في التجديد.

على الخطيب الذي يعتلي منبره أن لا يكون كسولًا في التحضير، فيعيد خطبته المكررة في كل مناسبة حتى كاد المصلون المعتادون سماعه أن يحفظوها، وهنا تكمن براعته في تجديد طريقة تذكيره بالمناسبة المتكررة كل عام، وليس رمضان المنفرد بالتكرار، فهناك مناسبات عديدة تعود على المرء في حياته، منها المناسبات الدينية، كرمضان، والعيدين، وعاشوراء، وبعض المناسبات المختلف فيها، كليلة النصف من شعبان، والإسراء والمعراج، والمولد النبوي، ومنها المناسبات الوطنية كيوم التأسيس، ويوم العلم، واليوم الوطني، وبداية العام الدراسي.

فإعادة التشغيل في تلك المناسبات الديني منها والوطني قد يكون ممجوجا عند المستمعين والمشاهدين، والحصيف المتقن من يمكنه تكرار الحديث عن المناسبة في حينها دون تكرار العبارات، والطريقة، وإيجاد صيغة مبتكرة في شد انتباه المستمع، ولفت نظر المشاهد، وقدرته في أن يوصل ما يريد من وعظ أو تذكير، أو تحفيز، أو تعليم.

وإنما ركزت في مقالي هذا على الخطيب والواعظ لقرب المناسبة، وإلا فإن إعادة التشغيل لا يحبذ أن تستعمل مِن مَن اعتلى أي وسيلة من وسائل الإعلام والتذكير والوعظ إلا في أضيق الحدود.

ومن هنا فإني أذكر أن رمضان شهر تفتح فيه أبوب الجنان، وتغلق فيه أبواب النيران، كما ثبت عن الحبيب صلوات الله وسلامه عليه، فلا ينبغي تقنيط الناس في شهر الرحمة من رحمة الله، ولا تنفير المصلين الذين تكاسلوا عن الصلاة عامهم كله، ثم استدركوا ما فات في شهر الغفران، فالترحيب بهم هو مقتضى سعة الرحمة المفتوح للناس أجمعين، وللمسلمين والمؤمنين على وجه الخصوص، فبشروا أيها الواعظون ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا، تقبل الله منا ومنكم. هذا، والله من وراء القصد.