كل عام أنتم بخير، هذه العبارة الجميلة التي طالما كانت قالباً لفظياً جمالياً يشبه باقة الورد التي تقدّم في مناسبة عزيزة، عبارة وسمها الدعاء بميسم الجمال والجلال، وأصبح لازمها اللفظي (وأنتم بخير) مرتبطاً بها، غير خارج عن مسارها، وليس ببعيد عن ألفاظها ومعانيها، مشتق منها، وعائد إليها، كالسلام ورّده، والترحيب والتفاعل معه، فما أبهى هذه العبارة! التي تغنّى بها الصغار قديماً، وترنم بها الكبار، وتداولها الرجال، وتناقلتها النساء، وامتدت عبر الأزمان، وأصبحت رمزاً للأعياد، عبارة رائعة ماتعة، أنيقة رشيقة، ارتبطت بالعيد، وارتبط بها، عبارة تدل على السلام، والوئام، وتشير إلى معاني الصفاء والنقاء، ويشعر بها الناس بالود والمحبة، فما أجملها من عبارة! وما أجملها في لسان كل صغير، وكبير، وذكر وأنثى!
هذه العبارة التي تصلح أن تكون عنواناً لكل بطاقة معايدة، باتت هي أوجز وصف للعيد؛ ولهذا عندما تحدث الأديب المصري مصطفى صادق الرافعي (1937م) عن (اجتلاء العيد) في كتابه (وحي القلم) لفت إلى هذه العبارة ضمن سياق حديثه عن العيد، فقال: "جاء يوم العيد، يوم الخروج من الزمن إلى زمن وحده لا يستمر أكثر من يوم. زمن قصير ظريف ضاحك، تفرضه الأديان على الناس؛ ليكون لهم بين الحين والحين يوم طبيعي في هذه الحياة التي انتقلت عن طبيعتها. يوم السلام، والبشر، والضحك، والوفاء، والإخاء، وقول الإنسان للإنسان: "وأنتم بخير". يوم الثياب الجديدة على الكل؛ إشعاراً لهم بأن الوجه الإنساني جديد في هذا اليوم".
فما أجمل تأكيد الرافعي على أهمية هذه الألفاظ الدعائية، وربطها بالعيد الذي هو كما يقول: "يوم الزينة التي لا يراد منها إلا إظهار أثرها على النفس؛ ليكون الناس جميعاً في يوم حب. يوم العيد؛ يوم تقديم الحلوى إلى كل فم لتحلو الكلمات فيه. يوم تعم فيه الناس ألفاظ الدعاء، والتهنئة مرتفعة بقوة إلهية فوق منازعات الحياة. ذلك اليوم الذي ينظر فيه الإنسان إلى نفسه نظرة تلمح السعادة، وإلى أهله نظرة تبصر الإعزاز، وإلى داره نظرة تدرك الجمال، وإلى الناس نظرة ترى الصداقة. ومن كل هذه النظرات تستوي له النظرة الجميلة إلى الحياة والعالم؛ فتبتهج نفسه بالعالم والحياة. وما أسماها نظرة تكشف للإنسان أن الكل جماله في الكل".
هذه العبارة التي جعلت الرافعي يرى العيد في وجوه الصغار حينما قال: "وخرجت أجتلي العيد في مظهره الحقيقي على هؤلاء الأطفال السعداء. على هذه الوجوه النضرة التي كبرت فيها ابتسامات الرضاع، فصارت ضحكات. وهذه العيون الحالمة، الحالمة التي إذا بكت بكت بدموع لا ثقل لها. وهذه الأفواه الصغيرة التي تنطق بأصوات لا تزال فيها نبرات الحنان من تقليد لغة الأم (...) أيتها الرياض المنورة بأزهارها، أيتها الطيور المغردة بألحانها، أيتها الأشجار المصفقة بأغصانها، أيتها النجوم المتلألئة بالنور الدائم، أنت شتى؛ ولكنك جميعاً في هؤلاء الأطفال يوم العيد".
هذه العبارة هي يوم العيد، فكل عام أنتم بخير يا وطني، وكل عام أنتم بخير يا ملكنا، وولي عهدنا، وحكومتنا الرشيدة، وكل عام أنتم بخير أيها الأهل والأقرباء، والصحب والأصدقاء، والجيران والزملاء، وكل من أحببناه وأحبنا، وكل من فقدناه وافتقدنا، وكل عام وبلاد المسلمين ترفل بالخير والسلام، وتنعم بالمحبة والصفاء، وأدام الله لنا ولكم الأعياد على الخير والإسعاد، وعيدكم مبارك، وتقبل الله منا ومنكم، وجعلنا وإياكم من عوّاده.
د. فهد إبراهيم البكر
التعليقات