مصروفات التخرج، في اعتقادي، تمثل معاناة حقيقية عند العوائل السعودية، لأنها تدخلهم في مقارنات لا يرغبون فيها مع الآخرين، ما قد يؤدي بهم إلى الاقتراض أو غيره، حتى لا يكون أبناؤهم أقل من أقرانهم، خصوصًا أن هذه المناسبات أصبحت تنقل على منصات السوشال ميديا، وترسل للمجموعات في وسائط المحادثات المشفرة كـ(الواتساب) وغيرها..
موسم حفلات التخرج في المراحل الدراسية يكون في المملكة ما بين شهري مايو ويونيو، والمسألة لا تتوقف عند التخرج من الثانوية، التي تمثل نقلة مهمة في حياة الطلبة من الجنسين، لاختلاف البنية التعليمية والفكرية ونظام التدريس، في نظامي التعليم العام والجامعي، وليس بالضرورة ان يتوجه الخريجون الى الجامعة من الاساس، فقد يختارون التعليم المهني أو العسكري او القطاع الخاص، ورغم أن وزارة التعليم السعودية منعت اقامة حفلات التخرج لكل المراحل الدراسية، الا في حالة التخرج من الثانوية العامة، وذلك استنادا لقرار اصدرته عام 2023، وتم تعميمه على مدارس التعليم العام بشكليها الحكومي والخاص، فان الالتزام بما سبق مازال ناقصاً، ما لم يكن معطلاً بالكامل.
حتى ان المدارس السعودية، في معظمها، اقامت في ختام العام الدراسي الحالي، مناسبات تخرج لرياض الاطفال والابتدائي والمتوسط، وفي مدارس خاصة وعامة، يفترض فيها ان تكون قدوة في الالتزام بالنظام، وبكلفة على الطالب الواحد، وصلت لما قيمته الف وخمس مئة ريال، او ما يعادل اربع مئة دولار، ومن قام بهذا، لم يلتزم بالقرار الوزاري في أمرين: الاول قصر الاحتفال على الثانوية العامة، والثاني عدم تحميل الطلبة تكاليف نقدية او عينية مقابل الحفل، والمفروض محاسبة المدارس المخالفة والتشهير بها، وبالاخص اذا كانت من المدارس التي لا تتردد في اقالة طلابها الذين لا يحصلون على 80% في المجموع العام عن كل عام دراسي، حتى تتوازن كفة المطلوب من الطالب والمدرسة.
حفلات التخرج ليست امرا مستحدثاً، ويعود تاريخها الى فرنسا القرن الحادي عشر الميلادي، فقد كانت تقام في تلك الايام بعد اكمال الطلبة التعليم الرسمي وقبل توظيفهم كمدرسين، وعادة القاء قبعات التخرج في الهواء بدأت للمرة الأولى عام 1912، في الاكاديمية البحرية الاميركية (أنابوليس)، لانهم سيغيرونها بقبعة مختلفة تخص سلاح البحرية الاميركي، والفكرة انتقلت من الاكاديمية الى العالم وتم التعديل عليها، وارتداء القبعة بدأ مع الرومان وكان محصورا في رجال الدين الكاثوليك، ومن الأمور العجيبة ما تقوم جامعة نوتردام الأميركية التي ترفع الكلفة مع الخريجين، ووسيلتها في ذلك السماح لهم بالتدخين مع الدكاترة، وفي جامعة لوند الفنلندية، التي تعتبر من جامعات الصفوة والنبلاء، يعطى خريج الدكتوراه سيفا طوله 87 سنتيمترا ووزنه 46 غراما، وفي جامعة ويليزلي الاميركية يقدم الخريجون كقرابين في بحيرة (وابان) من باب الدعابة.
في المقابل الطلاب في مدارس السويد الثانوية يتخرجون وهم يلبسون قبعات بيضاء مشابهة لما يلبسه البحارة، ويجوز لهم حمل اعلام بلادهم للتعريف بجنسياتهم لا اكثر، وبعد التخرج يركضون الى خارج المدرسة وتستقبلهم عوائلهم ومعها صورهم في فترة الطفولة، واحتفالات التخرج من الثانوية والجامعة لا بد ان تلتزم بآداب ومعايير لا يجب الخروج عليها، وبالذات في منصة التخرج وعند استلام الشهادة، ومن الامثلة الخارجة ان مديرة مدرسة في ولاية فيلادلفيا الاميركية رفضت تسليم الشهادة الثانوية لطالبة مسلمة ومحجبة لانها رقصت بينما كانت في طريقها لاخذ الشهادة، وأويد هذا التصرف تماماً، لان ما فعلته الطالبة سلوك مخالف ومشين يرفضه دينها قبل المدرسة الاميركية ولا يتناسب وجدية العملية التعليمية.
استخدام منصة التخرج كوسيلة لعرض مطالب حقوقية أو سياسية مرفوض شكلا وموضوعا، فالاصل في المؤسسات التعليمية المحترمة الالتزام بالحياد، وعدم الانحياز لطرف على حساب آخر، الا اذا كانت المسألة لا تحتمل انصاف الحلول، ومن الادلة على النموذح الاول قيام جامعة أوشاك التركية بالتحقيق مع طالبة لانها رفعت علم المثليين على منصة التخرج وقت اخذ الشهادة، والنموذح الثاني حصل في جامعة هارفارد منذ قرابة اسبوعين، فقد حرمت الجامعة 13 طالباً من حضور حفل التخرج بسبب تأييدهم لفلسطين، ولم يشفع لهم تقديم التماس من 1500 طالب وطالبة، ومعهم 500 من دكاترة الجامعة نفسها، ومثلما نعلم حرمان الشخص من حقوقه المدنية بدون سبب وجيه يعتبر من المحرمات الكبيرة في المجتمع الاميركي، والمؤكد انه سيؤثر على سمعة وتاريخ جامعة هارفارد.
مصروفات التخرج، في اعتقادي، تمثل معاناة حقيقية عند العوائل السعودية، لأنها تدخلهم في مقارنات لا يرغبون فيها مع الآخرين، ما قد يؤدي بهم إلى الاقتراض أو غيره، حتى لا يكون أبناؤهم أقل من أقرانهم، خصوصًا أن هذه المناسبات أصبحت تنقل على منصات السوشال ميديا، وترسل للمجموعات في وسائط المحادثات المشفرة كـ(الواتساب)، وبعض العائلات لا تتحرج في اقامة حفل التخرج داخل قاعة مؤتمرات أو أفراح، لمجرد انتقال ابنها من صف دراسي لآخر في المرحلة نفسها، بالاضافة الى الاحتفال بأبناء العائلة من المتفوقين بشكل سنوي، والمسألة الثانية لا بأس بها ما دامت في إطارها العائلي الضيق، أما نقلها بواسطة منصات مفتوحة على الانترنت، فإنه ينطوي على تفاخر و(هياط) غير مفهوم، ويمثل ردة وجاهلية جديدة في المجتمع السعودي.
التعليقات