مستهدفات رؤية المملكة، لا ترغب في اعتماد الناس على الضمان، وتعمل على تمكين القادرين من بينهم والقابلين للتأهيل، بما فيهم أصحاب الإعاقات البسيطة المفصولون، وتحويلهم إلى أشخاص فاعلين، ولديهم القدرة على تأمين احتياجاتهم بأنفسهم، وفد نجحت برامج وزارة الموارد البشــرية، خلال الفترة ما بين عامـي 2017 و2023، في تمكين 200 ألف أسرة، وتحويلها لأسر مكتفية لا تحتاج لمعاش الضمان

بعض زملاء الكتابة في صحيفة سعودية معروفة، تناولوا مؤخراً وبتشنج واضح قضية معوق عاطل، تم فصله من عمله، وحرم من دعم الضمان الاجتماعي للإعاقة، والسبب أن إجمالي راتب زوجته وأبنائه يتجاوز 21 ألف ريال، أو خمسة آلاف و600 دولار، وتكلم أحدهم عن قوامة الرجل المالية من الناحية الشرعية، وأنه لا يوجـــــد تقاسم للمسؤوليات المــــالية كما في المجتمعات الغربية، وأن المرأة ليست ملزمة بالإنفاق، لأن ذمتها المالية مستقلة في الدين الإســـلامي، والرجل مســــؤول عن الإنفاق على عائلته، وإن كانوا كلهم موظفين، وطالبوا بإعادة النظر في نظام الضمان الاجتماعي المطور، وهذه القراءة السطحية وغير الموفقة، قد تعطي بعض الناس تصورا منقوصا، وربما اعتقدوا أن صاحب المشكلة ضحية، وهذا غير صحيح، فالمسألة أعقد من أن يتم تبسيطها بهذه الطريقة.

الضمان الاجتماعي بدأ في المملكة عام 1962، وقد تمت الإشارة إليه في المادة 27 من النظام الأساسي للحكم، وهو يستهدف رفع المستوى المعيشي لكل المواطنين في المجتمع، وكان الدعم في بدايته يقدم كل ثلاثة أشهر، ولم يكن المبلغ يتجاوز 370 ريالا، أو قرابة 99 دولارا، وفي 1975 ارتفع إلى 16 ألفا و200 ريال، أو أربعة آلاف و320 دولارا، تصـــرف بشيـك وكمبلغ مقطوع لمرة واحـــدة في العام، وفي 2005، صـــدر نظام الضمـــــان الاجتماعي السابق، وبعده بعامين أو في 2007، غيــــرت مجمــوعة من معاييره، وتغيرت نظرة الضمان الاجتماعي للأسرة، وأصبح يعامل الأفراد فيها بشكل مستقل، ويؤمن لهم الدعم وفق احتياجهم، واهتم بحالات الإعاقة واليتم وكبر السن وغيرها، وتحول صرف المبلغ من سنوي إلى شهري، وبسقف لا يتجاوز 31 ألف ريال سنويا، أو ثمانية آلاف و267 دولارا.

في أواخر 2021 تم إقرار نظام الضمان المطور الحالي، الذي تحول من الاهتمام بالأفراد إلى التركيز على الأسرة كوحدة واحدة، ما دامت تقيم في ذات المسكن، وقام النظام بمضاعفة معــــاشها السنـــوي إلى 60 ألف ريال، وخصص 14 ألف ريـال لبرامج الدعم المساندة، وبإجمالي 74 ألف ريال، أو ما يزيد على 19 ألفا و730 دولارا في العام، وتمنع الأسرة من معاش الضمان، إذا كانت مصروفاتها الشهرية تضمن ما قيمته 1420 ريالا للعائل، أو نحو 377 دولارا، ولكـل تابع مبلغ لا يقل عن 660 ريالا، أو 176 دولارا، وهو يختلف من أسرة لأخرى استنـادا لعدد أفرادهـــــا، ولا يشترط في العائل أن يكون رجلاً، وبافتراض أنه رجل، وثبت امتناعه القيام بصرف الضمان على عائلته، فإن وزارة الموارد البشرية تعين غيره عائلا بموافقة الأسرة، وإن كانت الزوجــة أو أحد الأبنـــاء، ولا عــــلاقة لذلك بالقوامة المالية للرجل، لأنها أموال موجهة للأســــر المحتاجة، وتأتي من هيئة الزكاة والدخل، ومن الهبات والنفقات والصدقات، علاوة على دعم سنوي يقدم من خزينة الدولة.

الضمــــان الاجتماعي في صورته الحالية، لا يقوم على مبدأ توفير الدعم لذوي الإعاقة والأيتام وكبار السن، أومن يتقاطع معهم، لوجود برامج أخرى تهتم بهم، كبرنامج التأهيل الشامل لذوي الإعاقة، بينما في النظام القديم، كان صرف معاش الضمان مقيدا بوجودهم، بالإضـــافة لعدم منح معاش الضمان لرب الأسرة، في حالة كونه موظفا، وفي الوقت الحالي، الموظف مشمول بالنظام، عندما يكون راتبه، ودخل الأسرة الكامل لا يسد احتياجاتها، وبالتالي فاهتمامه يركز على الاحتياجات الأساسية للأسرة، بجانب دعومات السكن والغذاء والكهرباء والأسر الحاضنة للأيتام، ومعها دعم الحقيبة المدرسية والزي المدرسي والفرش والتأثيث والحليب، والإعفاء من التكاليف القضائية، ولا يوجه المعاش لشخص واحد بصورة مستقلة، إلا إذا كان يسكــــن بمفرده، والمـرأة التي تقل أعمار أطفالها عن 12 عاماً، تعتبر من الفئات غير القادرة على العمل، ويصرف لها ضمان.

مستهدفات رؤية المملكة، لا ترغب في اعتماد الناس على الضمان، وتعمل على تمكين القادرين من بينهم والقابلين للتأهيل، بما فيهم أصحاب الإعاقات البسيطة المفصولون، وتحويلهم إلى أشخاص فاعلين، ولديهم القدرة على تأمين احتياجاتهم بأنفسهم، وفد نجحت برامج وزارة الموارد البشــرية، خلال الفترة ما بين عامـي 2017 و2023، في تمكين 200 ألف أسرة، وتحويلها لأسر مكتفية لا تحتاج لمعاش الضمان، وفي استطلاع أجرته الــــوزارة على 23 ألف حالة، مكنت وظيفيا في 2019، وجــد أن 97 % من هذه الحــالات، ما زالت محتفظـة بوظــائفها حتى 2022، و75 % من هؤلاء حققـوا قفــزات عاليــة في رواتبهم، وبمعدل ثلاثة أضعاف.

البنك الدولي سجل إشادة بتجربة الضمان الاجتماعي السعودية، وتعمل أكثر من دول عربية وغربية على استنساخها، ثم يأتي محاربوها من الداخل، ويقدمون حالة واحدة يستطيع صاحبها معالجة وضعه، عن طريق برامج التمكين المتاحة، في محاولة لتبرير البطالة الاختيارية لصاحبها، وإلباسها قناعا إنسانيا، وبما يساعد في شحـــــن التعاطف الجماهيـري حـولها، ويكـــرس ثقافة الاتكالية والكسل داخل المجتمع السعودي، وأقول لزملاء الكتابة، من فضلكم احترموا عقولنا.