الحرارة العالية وزيادة الأحمال، قد تؤديان بالفعل إلى انقطاع الكهرباء، إلا أن محطات الكهرباء في الخليج لا تقبل به، وتحتفظ بما نسبته 10 % من مخزونها في مولدات احتياطية، وهو إجراء تعمل به غالبية الدول الأوروبية، لضمان استمرار تدفق الكهرباء في حالة الأعطال..
لست مهتما بالدفاع عن أحد، ولكني أقرأ وأتابع كغيري، واعتبر نفسي مستقلاً تماماً فيما أكتب، وقد قصدت أن أبدأ بهذه الكلمات، حتى لا يحمل ما أكتبه فوق ما يحتمــــل، وقبــــل تناول مشكلة انقطاع التيار الكهربائي، التي تزامنت مع دخول فصل الصيف في يونيو 2024، وقبل موعده المعتاد بثمانية أيام، وبدرجـات حرارة عاليــــــة وغيــــر مسبوقـــة عالمياً، تأثر بها أكثر من بلد عربي وخليحي بما فيها المملكة، ولفهم ما يحصل لا بد وأن نوسع دائرة النظر، فالانقطاع في جزء منه، وفي حالات عربية محدودة، سببه سوء واضح في إدارة الأزمة والتعامل معها، ولكن المسألة لا تنتهي عند هذا الحد، فقد شملت الانقطاعات الكهربائية دول البلقان وبريطانيا وغيرها، وأميركا تعرضت لانقطاعات بمعدل الضعف ما بين عامي 2014 و2023، مقارنة بالأعوام من 2000 إلى 2009، وذكر مركز أبحاث الطقس الأميركي، أن حالات انقطاع التيار، المبلغ عنها في الفترتين السابقتين، كانت في 80 % منها، بسبب أحداث مرتبطــــة بالطقس، كـــدرجات الحرارة العالية، والعـواصف والأعاصير القـوية، ولا يغير في ذلك، توفر الوقود أو الطاقة اللازمة لتشغيلها، وتوقعت شيئاً مشابها في معظم الولايات الأميركية، خلال الصيف الحالي، والذي سيكون الأكثر سخونة بنسبة 50 %.
دخول الكهرباء إلى المدن السعودية يعود تاريخه إلى زمن الملك عبدالعزيز، وتحديداً في 1932، أو بعد إطلاقها في مدينة نيويورك الأميركية بـ 40 عاماً، وقبلها كان الاعتماد على الفوانيس، التي تمت إنارتها بالشحوم الحيوانية والكيــــروسين، والشركة السعـــــودية للكهرباء، لديها تجــربة ممتدة عمرها يتجاوز الـ 92 عاماً، وخدماتها وصلت لنحو 13 ألف مدينة وقرية وهجرة في الأراضي السعودية، وقد حصلت في عام 2020، على المركز الثامن عشر من أصل 190 دولة، في تقرير ممارسة الأعمال، الصادر عن البنك الدولي، وكلها حقائق موجودة وموثقة.
الإشكالية تبدو في تأخر تحولها الكامل إلى الطاقة النظيفة والمتجددة، نتيحة لما أحدثته أزمة كورونا من تعطيل، وتعتبر المملكة من أكثر الدول استهلاكاً للكهرباء، وبحسب الإحصاءات الرسمية لعام 2015، فإن متوسط استهلاك الشخص الواحد فيها، يصل إلى 779 كيلو واط شهرياً، وحجم نمو الطلب السنوي على الطاقة يقدر بنحو 10 %، وهو رقم مرتفع بطبيعة الحال، والاستخدام المفرط للمكيفات يمثل ما نسبته 80 % منه، وبالأخص في فصل الصيف، وفي مدن الرياض وجدة والدمام.
الحرارة العالية وزيادة الأحمال، قد تؤديان بالفعل إلى انقطاع الكهرباء، إلا أن محطات الكهرباء في الخليج لا تقبل به، وتحتفظ بما نسبته 10 % من مخزونها في مولدات احتياطية، وهو إجراء تعمل به غالبية الدول الأوروبية، لضمان استمرار تدفق الكهرباء في حالة الأعطال، والظلام التام ليس سيئاً، لأن إنتاج هرمون الميلاتونين في الدم يحتاجه للنوم، وهذا يتعذر في عصر الإضاءة المستمرة، وقد يؤدي إلى إرهاق وضغط عصبي، واضطرابات في النوم، وربما وصلت الأمور إلى درجة الإصابة بالسرطان، وقامت واحدة من التجارب العلمية، على وضع مصابيح كهربائية في غير مكانها، وبالقرب من أرض زراعية، ما تسبب في تجمع الحشرات عليها وموتها، وقد كانت مسؤولة عن تلقيح المحاصيل، وتراجع تلقيح النباتات بنسبة 62 %.
بالإضافة إلى أنه في 1994، حصـــل انقطاع للتيار الكهــــربائي، على كامل مدينة لوس أنجليس الأميركية، وترتب عليه استقبال خطوط الطوارئ في المدينة بلاغات كثيرة، والعجيب أنها لم تكن تتناول حالات سرقة أو نهب أو وفاة أو حوادث خطرة، وإنما أفادت عن رؤية أجسام غريبة في السماء، وأنها أقرب إلى الغزو الفضائي، ولكن ما تمت معرفته لاحقا، لأن ما شاهدوه لم يكن سوى شكل مجرة درب التبانة في سماء صافية، ولو لم تطفأ أنوار المدينة بكاملها في صدفة رتبها القدر، لما أمكنهم رؤية هذا المنظر الخلاق.
تقرير منتدى الرياض الاقتصادي لعام 2012، أورد أن المملكة تستهلك مليوناً و600 ألف برميل نفط يومياً، لإنتاج ستين ألف ميغاواط من الكهرباء، وقد رجح أنه في حالة ارتفاع الطلب إلى 120 ألف ميغاواط في 2020، فإنه يعني مضــــاعفة الاستهلاك، ليصبح ثلاثة ملايين و200 ألف برميـــل نفط يومياً، وتوقع وصوله إلى ثمانية ملايين برميل نفط في 2030، إلا أن الرؤية السعـــــودية استبقت هذه التوقعــــات، وأضافت في 2023، تسع مئة وخمسة غيغاواط، من الطــــاقة المتجددة إلى الإنتاج المحلـــي، والمملكة ودول الخليج تختلف عن بقية الدول العربية، بوجود ربط كهربائي فيما بينها، والمعنى أنها قادرة على حل انقطاع الكهرباء، عند حدوثه في أية دولة خليجية، وفي وقت قياسي، باستخدام الكابلات التي تـــــربط بينها، والكويت مثال، ويوجــد مشروع لضم العراق إلى الشبكة الخليجية، والعراق مرتبط بتركيا التي ترتبط كهربائيا بالدول الأوروبية، واحتمــالات التعاون الخليجي الأوروبي واسعة في هذا المجال، وأتصور أن إمكانية ضم مصر ومعها دول الشمال الإفريقي واردة، إذا توفر المشروع والممول.
التعليقات