بدلاً من شراء منزل الحلم، والتورط بأقساط شهرية لمدة خمسة وعشرين عاماً! استأجر شقة واستثمر أموالك بعائد أفضل، حتى تتمكن من شراء منزل أضخم بعد سنوات! هذه إحدى النقاشات التي يخوضها جيل الشباب كل يوم، في العديد من الأمور، جوهرها عدم القدرة على الموازنة بين متطلبات اليوم، وآمال المستقبل.

نعم مستقبلنا مهم جداً، وهو حاضرنا في الغد، وليس هناك ما هو أبشع من أن يكون مستقبلك أسوأ من حاضرك! لكن الحاضر هو اليوم الذي تعيشه حالياً، والذي قد لا يأتي بعده الغد، فتكون خسرت اليوم الذي لا يعود مرة أخرى، ولم تكسب اليوم القادم، وهو ما يجب الموازنة فيه، سواء من خلال تحديد أوقات اللهو ومصارف البهجة، وكذلك ما تبذله من جهدٍ وتفان، في عمل أو دراسة أو حتى برٍ بالوالدين.

من المهم إدراك أنك إذا أنجزت أو لم تنجز مهمة ما، فإنها كانت حلقة ضمن مهام وتفاصيل أخرى، وأنه توجد أو قد لا توجد خطوة لاحقة، ولكن بالتأكيد لا يمكن إعادة هذه الخطوة، دون خسارة وقت وجهد وموارد، بل خسارة فرصة بديلة، لذا تكمن أهمية الحاضر الذي من خلاله نتعلم من ماضينا، ونتمكن من تصحيح ما سبق، وتجنب الأخطاء، مما يعزز الثقة ويحقق الإنجاز، بدلاً من البكاء على ما فات، دون الاستفادة منه فيما هو قادم.

من المؤكد أن المشاعر السلبية تأتي من الماضي، وأيضاً من المستقبل! فمثلاً مشاعر الإحراج والحسد والكره تأتي من الماضي، وهي غالباً استجابة لمباشرة لشخص أو حدث، وهو تراكم ما سبق أن حدث وأثر عليك في الماضي، أما شعور القلق والجشع فهو يأتي من المستقبل، التي قد تكون مشاعر خوف من لحظة مستقبلية، أو حرصٍ على الفوز بكل شيء في المستقبل، وهكذا تتأثر معظم مشاعرنا بالماضي والمستقبل، فلما نجعل حاضرنا أسيراً لما قد لا يمكن التحكم به!؟

يرى الخبراء أن التركيز المتساوي على الماضي والحاضر والمستقبل، يتيح عيش حياة متوازنة، لا تفقد فيها البهجة على حساب المستقبل، وهي جوهر ما يحسن مستوى الرضا عن المستقبل، حينما تكون بذلت الجهد الكافي والمعقول فتحصد ما زرعت، بدلاً من أن تنفق الوقت والجهد كل ثم تحصل على نتائج عظيمة، ولكنك غير قادر على التمتع بها! وهو أكثر من يؤرقني حينما أبذل الوقت والجهد وأتجاهل قضاء وقت ممتع اليوم مع عائلتي وأصدقائي.

بكل بساطة: الماضي يعلمك، والمستقبل يجذبك، المهم أن يترجم حاضرك ماضيك -بكل توازن وحكمة- إلى رؤية مستقبلك الذي ترغب.