من أجل الحصول على استدامة مالية ونسبة توازن معقولة، لا بد من الحرص على مجموعة من الأمور، أبرزها: السن والراتب التقاعدي، واشتراكات التأمينات الشهــــرية، وضبط أحكـــام التقاعد المبكر، وهو ما قامت به المملكة في التعديلات الأخيرة، بالنظر لمتوسط الأعمار اليوم..

في بداية يوليو الجاري صدر نظام التأمينات الاجتماعية الجديد في المملكة، وهو يستوعب موظفي القطاع العام المدنيين والعسكريين، ومعهما الموظفين في القطاع الخاص، وقد تضمن تعديلات على السن التقاعدي المبكر والنظامي وسنوات الخدمة، واحتسابهما بالتاريخ الميلادي لا الهجري، بالإضافة لرفع اشتراك التأمينات الشهري على الراتب من 18 % إلى 22 %، إذا أضفنا عليه ما تدفعه جهة عمل الموظف، وهذا خاص بمن خدمتهم أقل من عشرين عاماً، وبالموظفين الجدد، أو بمن أعمـــارهم دون الخمسين بالحسابات الهجرية، ولديهم اشتركات لا تتجاوز 240 شهـراً، والبقيــة لن تتغيـــر أوضاعهم، وسيتـــم رفع سن التقاعد النظامي من 60 عاماً إلى 65 عاماً، والمبـــكر من 25 عاماً إلى 30 عاماً، وذلك بالتـدريج على الموظفين الحاليين، فيما سيطبق مباشرة على من يتم توظيفهم، بعد صدور النظام.

تعديلات التأمينات لن تشمل أحكام التقاعد العسكري، وهو أمر مفهوم، فالتقـــاعد فيه يختلف باختلاف الرتبة، وبالتزكيات على الشواغر المتوفرة، وبما لا يتجــاوز 58 عاماً للتقــاعد النظامي، ولا يقل عن 18 عاماً للتقاعد المبكر، والعسكريون على ما يعادل المرتبة الممتازة وما فوقها، يعاملون معاملة الوزراء والقضاة وأعضاء هيئة التدريس في الجامعات، فيما يخص الاستثنـــاء من السن التقــــاعدي، وهم قلة لا يقاس عليها، مع ملاحظة إن أصحـــــاب المهن الشاقة، كمعلمي التعليــــم العام والضبـاط العسكـريين في الحالة السعودية، يتقاعـدون مبكراً في الغالب أو في سن 52 عاماً، والتقاعد إجمالاً بـدأ مع الجيش الروماني، في القرن الثالث عشـــر قبل الميـــلاد، وكان حصـراً على كبار السن فيه، ممن ليست لديهم مهنة يجيدونها إلا الحرب، ولم يطبق بشكله المعروف إلا من قبل شركة (أميركان إكسبريس) في 1875.

نظام التقاعد المعمول به في المملكة تكافلي، بمعنى أن مشتركي التأمينات، في الوقت الحالي، يدفعون للمتقاعدين الحاليين، والفائض يستثمر، وهذا هو المتعارف عليه في معظم دول العالم، وقد بدأ العمل به في 1973، أو عندما كان متـــوسط أعمـار السعوديين في حــدود 56 عاماً، ولكنهـــــا وصلت في 2023 إلى 76 عاماً، وبزيادة عشرين عاماً، وهذا التغيـــــر الديموغرافي مربك، مما يستدعي التفكير في (آلية التعديل التلقائي)، والعمل على زيادة سن التقاعد بطريقة أتوماتيكية، وبمعدل شهر عن كل عام يضاف لمتوسط الأعمار، كما هو الحال في إيطاليا وفنلندا، خصوصاً أن معدل الخصوبة تراجع عند السعوديات، من 7 إلى 3 أطفال لكل امرأة، وتأثير ذلك سيظهر على المتقــــاعدين في المستقبل، لأن أعداد المشتركين في التأمينات ستكون أقل من المتقـــــاعدين، واليـــوم المتقـاعد يقابله 20 مشتركاً يدفعون تقاعده، وبما أن الدراسات الإكتوراية تنظر في الخمسين عاماً القادمة، فالمتوقع في 2070 أن من سيدفع للمتقاعد المستقبلي ثلاثة مشتركين لا أكثر، ما سيضر بكفاءة النظام التكافلي السعودي.

لذا ومن أجل الحصول على استدامة مالية ونسبة توازن معقولة، لا بد من الحرص على مجموعة من الأمور، أبرزها: السن والراتب التقاعدي، واشتراكات التأمينات الشهــــرية، وضبط أحكـــام التقاعد المبكر، وهو ما قامت به المملكة في التعديلات الأخيرة، بالنظر لمتوسط الأعمار اليوم، والذي يصل لأربعة أضعاف مبالغ الاشتركات التي دفعها، والأصعب أن من يتقاعد مبكراً يأخذ سبعة أضعاف مجموع اشتراكاته، وربما كان الحل في المسألة الثانية، حسم 2 % من الراتب التقاعدي كحد أدنى، وذلك عن كل عام متبقٍ على التقاعد النظامي، وإتاحة خيار الاستمرار في العمل لما بعد سن التقاعد النظامي، وهو ممارسة إدارية معتادة في معظم دول العالم، وفي حدود سبعة أعوام، يمنح خلالها الموظف مكافأة تضيف زيادة سنوية لراتبه التقاعدي، وبنسبة 5 % أو بما مجموعة 35 %، وهذا سيعزز الاستدامة المالية لصندوق التأمينات، الذي يعتبر من أكبر عشرة صناديق تقاعدية في العالم، وسيخدم الاقتصاد الوطني ويرفع مستويات الإنتاجية.

وفيه يحصل المتقاعد بمجرد تقاعده، على مجموع ما دفعه من اشتراكات شهرية، أثناء فترة عمله فقط، والنظام التكافلي متاح لكل موظفي أميركا، ويسمونه (الســـوشال سيكيورتي)، ولكنــــه لا يمنح المتقــاعد النظامي إلا 39 % من راتبه الأساســــي، ومعـه نظــــام تقـــاعد الشركات الاستثمـــــاري (401 كيه)، وراتب المتقاعــــد فيه يصل لـ 42 %، وفي إيطــــاليا لا يحصل المتقـــــاعدون إلا على 70 %، مقارنة بـ 100% في المملكة، وسن التقاعد تمت زيادته في أميركا والدنمارك وهولندا، وهو يتراوح ما بين 71 و74 عاماً، واللافت أن التقاعد المبكر للأميركيين يكون عند سن 62 عاماً.