غالبية المخالفات كانت في المناقصات الحكومية، وبالتواطؤ بين المشاركين فيها لرفع الأسعار، وهذه الأفعال لا تسقط بالتقادم من الناحية القانونية، وقد تحل بالتسوية ودون الوصول إلى لجان النظر والعقوبات، فالغـرض الأول من إقرار عقوبتي الغرامة والتشهير، هو ضبط السوق ومنع الممارسات الاحتكارية، أو التي فيها إضــرار بمصــــالح الآخرين، وبالأخص المستثمرين المحليين والأجانب..
الأجهــــزة الحكومية في المملكــة تنفق سنوياً نحو 200 مليار ريال، أو ما يعادل 53 ملياراً و336 مليون دولار، وذلك على مناقصات عامة يتم وضعها في منصة اعتماد، ونسبة الفاقد من هذا الرقم قد تصل إلى 20 مليار ريال، أو خمسة مليارات وثلاث مئة وستة وثلاثين مليون دولار، ويحدث السابق بفعل التواطؤ بين الشركات على عطاءات بأرقام معينة، وبما يضمن ترسيتها على أحدهم، وفي 2023، كانت القيمة الخاصة بواحدة من المناقصات الحكومية في قطـــــاع المقاولات، لا تتجاوز 400 مليون ريال، أو107 ملايين دولار، واتفق التجار المشاركون في الطرح، على رفــع قيمتها إلى 600 مليون ريال، أو160 مليون دولار، ولكن أحـــــدهم أبلغ عنهم، وحصل على الحصانة القضائية، وهــــذه المسألة ليست خاصة بالمملكة، فالفاقد في الدول الصناعية يصل إلى 5 %، وفي الدول النامية 10 %، وفي الدول الأقل تنمية 20 %، وكل ما سبق مأخوذ من تصريحات وبيانات لهيئة المنافسة السعودية، وتحديداً في أواخر عام 2023.
الإشكالية أن المخالفة تحدث، في بعض الأحيان، ومن قام بها لا يعرف أنه يرتكب المحذور، أو يضر بمعايير المنافسة العادلة في السوق السعودي، ومن الأمثلة، الاتفاق المكتوب بين مجموعة من المطاعم الشعبية، على رفع أسعار وجباتها بشكل موحد عام 2016، وقد تم التشهير بها وتغريمها ثمانية مــــلايين ريال، أو مليونين و134 ألف دولار، وحتى وزارة الموارد البشرية، عندما تضع تسعيرات محددة للعمالة الأجنبية، فإنها تحد من المنافسة العادلة بين شركات ومكاتب الاستقدام، ولا يوجد جهاز حكومي أو شركة مستثناة من نظام المنافسة إلا (أرامكو السعودية)، بجانب الاحتكار الطبيعي والمنظم في شركتي الكهرباء والمياه، والبقية في القطاعين الحكومي والخاص بلا امتيازات، فقد غرمت هيئة المنافسة، شركة الاتصالات السعودية، بمبلغ عشرة ملايين ريال، أو مليونين و600 ألف دولار، لأنها حاولت استغلال وضعها المهيمن في سـوقها، ورفضت التعامل مع شركة منافسة، بقصد التأثير على فرصها التنافسية.
في المقابل وفيما يخص التصرفات المقصودة من القطاع الخاص، غرمت شركة مشــروبات غازية معروفة، في 2016، بـ 15 ريال مليون ريال، أو أربعة ملايين دولار، لقيامها بتحديد وتثبيت أسعار بيع منتجاتها، وإجبار عملائها على عدم التعامل مع منافس آخر، وفرضت غرامة على 14 شركة إسمنت بواقع عشرة ملايين، أو مليــــونين و600 ألف دولار، لكل منهما، بعد رصد اتفاق فيما بينهم، يتضمن تقليـــــل الكميات ورفع الأسعار، وقـد كــان سقف الغرامات يقف عند عشرة مـــــلايين ريال، قبل تعديل نظـام المنافسة في 2019، والمعمول به حالياً هو ما نسبته 10 %، من إجمالي المبيعات المخالفة، ما يعني احتمالية وصولها لمبالغ مليارية.
مخالفات نظام المنافسة موجودة في قطاعات كثيرة، من أبرزها، قطاع السيارات، وقطاع الأدوية، الذي تسيطر على قطاع التجزئة فيه، شركتان وبنسبة 75 %، وتم بالفعل إتاحة المجال لشركات عالمية، منذ أربعة أعوام، للاستثمار في قطاع التجزئة بالصيدليات، ومعهما قطاع التأمين، وفيه تستحوذ شركتان على ما نسبته 70 %، والدولة قامت في 2020، بإنشاء منصة (نفيس) وألزمت شركات التأمين بإدراج بيانات المستفيدين فيها، وبما يسمح بفتح السوق، واستقطاب الاستثمار الخارجي، خصوصاً مع وجود شركات تأمين عالمية، أبدت رغبتها في ذلك، وهذا سيخلق منافسة لمصلحة المستهلك النهائي، عن طريق توفير أدوية بأسعر أقل، علاوة على توطين المهن المحتكرة من جنسيات معينة، كمهنة المحاسبة القانونية.
قطاع العقار هو الآخر، تمت دراسته من قبل هيئة المنافسة، وبمشـــاركة وزارة الشؤون البلدية وهيئة العقار، وهم وصلوا لاقتراح مؤشر يحسب قيمة الأرض، استنادا لكمية الخدمات الموجودة فيها، وطبق السابق على إجمالي أحياء الرياض وعددها 240، وإذا تم تفعيله، فانه سيحقق العدالة في سعـر المتر المربع، وفي رسوم الأراضي البيضاء، وبما يبعدهما عن التقييمات العشوائية، وعن المضاربات العقارية المفتعلة لرفع أسعار الأراضي، ولخدمة مصالح فئات معينة، حتى وإن كانت بعيدة وخدماتها قليلة، وفي هذا ممارسة احتكارية لا تحتاج إلى توضيحات.
خلال الفترة ما بين عامي 2017 و2023، خالف نظام المنافسة نحو 130 شركة، وغالبية المخالفات كانت في المناقصات الحكومية، وبالتواطؤ بين المشاركين فيها لرفع الأسعار، وهذه الأفعال لا تسقط بالتقادم من الناحية القانونية، وقد تحل بالتسوية ودون الوصول إلى لجان النظر والعقوبات، فالغـرض الأول من إقرار عقوبتي الغرامة والتشهير، هو ضبط السوق ومنع الممارسات الاحتكارية، أو التي فيها إضــرار بمصــــالح الآخرين، وبالأخص المستثمرين المحليين والأجانب، وتعتبر الشركة أو المنشـأة محتكرة، إذا تحكمـــت بما نسبته 40 % من سوقها الذي تعمـــل فيه، وهناك 22 قطــــاعا في المملكة باعتــــراف هيئة المنافســـة، لديهـــا تشـــــوهات ومشـــكلات فــــي المنافســة العـــادلة، والمـؤمل أن يتم العمل على معالجتها، وكسر الاحتكارات ومحاولات الهيمنة والسيطرة في الأسواق، بشكليها الأفقي والرأسي، وبما يضمن تدفق استثمارات أكثر في الاقتصاد الوطني، والوصول إلى مكانه اقتصادية أفضل على المستوى العالمي.
التعليقات