متطرفو اليمين وصفوا المهاجرين بـ(المغول الجدد)، فيما وصفهم الإنجليز المناهضون للعنصرية بـ(النازيون الحثالة)، وقد سبق وأن عاشت بريطانيا حدثًا مشابهًا في 2011 عندما خرج الآلاف إلى الشوارع للتظاهر والتخريب أيام حكومة ديفيد كاميرون، احتجاجاً على قتل الشرطة لرجل أسود في لندن، وفي أواخر الستينات الميلادية كان اليمين المتطرف متذمرًا من الهجرة الآسيوية لبريطانيا، لدرجة أن أنصاره كانوا يضربون الآسيويين في الشوارع..
في يوم الاثنين 30 يوليو من العام الجاري، وقعت حادثة في بريطانيا، كان يمكن ألا تحدث ضجيجا كبيراً، فقد قام مراهق عمره 17 عاما بقتل ثلاثة أطفال إناث أعمارهن ما بين السادسة والتاسعة، وذلك عن طريق طعنهن بسكين في مدرسة رقص، بمدينة ساوثبورت القريبة من ليفربول، شمال غرب إنجلترا، وأصاب معهن عشرة أشخاص، بينهما شخصان بالغان، وخمسة أطفال حالتهم حرجة، والمشكلة بدأت عندما استقبل الخبر وقام بنشره، على السوشال ميديا، موقع اسمه (القناة 3 ناو)، وذكر فيه أن القاتل مهاجر مسلم ومتطرف، حضر إلى بريطانيا في قارب عام 2023، أو بحسب صياغة صحيفة التايمز اللندنية، طالب لجوء وهمي مدرج على قائمة المراقبة الأمنية.
الموقع اعتذر لاحقاً وحذف المنشور، لأنه لم يكن دقيقا، ولكن تداوله لم يتوقف، وانتشر على نطاق واسع جداً، وفي مساء الثلاثاء 31 يوليو، خرج الناس إلى الشوارع، وتحركت ثلاثة تنظيمات يمينية متطرفة في وقت واحد، على الأرض وفي الواقع الافتراضي، وتحديداً (ريد سيلر)، ورابطة الدفاع البريطانية المنحلة، وحزب إصلاح بريطانيا، والأخير لديه أربعة مقاعد في البرلمان الحالي، ولأول مرة في تاريخه، وما حدث أجبر القضاء البريطاني على رفع تكتمها عن هوية المتهم القاصر، واتضح أنه بريطاني مسيحي من مواليد كاردف بويلز، اسمه (أكسل روداكوبانا)، ووالداه قدما لبريطانيا هرباً من الإبادة الجماعية في رواندا، وأنه انتقل مع عائلته في عام 2013 إلى المدينة التي وقعت فيها الحادثة، وهو يعاني من اضطرابات نفسية، والشرطة البريطانية اعتقلته في فترة سابقة، ومن ثم أفرجت عنه، ولديها معلومات عن اعتلاله النفسي.
الحكاية معروفة ولكن في الإعادة إفادة، ففد تسبب الانتشار الواسع للخبر غير الصحيح في إثارة أعمال شغب وتخريب واعتداءات، ومعها احتجاجات معارضة للهجرة واللجوء من قبل اليمين المتطرف في الشمال البريطاني، وفي المدن التي فيها أكثرية مسلمة، واستهدفت المساجد وفنادق طالبي اللجوء، وحتى بلفاست عاصمة ايرلندا الشمالية لم تسلم، وامتد ذلك لكامل الأراضي البريطانية، ولم تتأثر به مدينة لندن إلا نسبياً، وما حصل جعل الملياردير إيلون ماسك يعتبرها بمثابة تمهيد لحرب أهلية، ليأتيه التوضيح من مكتب الحكومة البريطانية بأن الحرب لا تكون إلا بين القوى والتيارات السياسية، وهذا غير متوفر فيما يجري، ومتطرفو اليمين وصفوا المهاجرين بـ(المغول الجدد)، فيما وصفهم الإنجليز المناهضون للعنصرية بـ(النازيون الحثالة)، وقد سبق أن عاشت بريطانيا حدثا مشابهاً في 2011 عندما خرج الآلاف إلى الشوارع للتظاهر والتخريب أيام حكومة ديفيد كاميرون، احتجاجاً على قتل الشرطة لرجل أسود في لندن، وفي أواخر الستينات الميلادية كان اليمين المتطرف متذمرا من الهجرة الآسيوية لبريطانيا، لدرجة أن أنصاره كانوا يضربون الآسيويين في الشوارع.
الحكومة البريطانية حملت اليمين المتطرف المسؤولية، وبالإمكان وضع ما فعله في خانة ردة الفعل، لأنه وبمجرد انتخاب حكومة العمال برئاسة السير كير ستارمر، بعد 14 عاما من حكم المحافظين، أوقفت خطة ترحيل المهاجرين إلى رواندا التي أقرتها الحكومة المنتهية ولايتها، وسحبت الاعتراض البريطاني على قرار المحكمة الجنائية الدولية، فيما يتعلق بانتهاكات دولة الاحتلال في فلسطين وملاحقة المتورطين فيها، وإعادة تمويل وكالة (الأونروا)، المعنية بإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين، وشهر أغسطس الحالي، يعتبر موسما للسياحة في بريطانيا، والأحداث الجارية تؤثر سلباً على الاقتصاد البريطاني.
المتهم الرئيس في تضخيم الأخبار الكاذبة والشائعات حول هوية ومعلومات المتهم في جريمة الطعن هو ستيفن بكسلي لينون، واسمه الحركي (تومي روبنسون) صاحب رابطة الدفاع البريطاني الذي اختفى لمدة ليعاود الظهور مجدداً في نوفمبر 2023 بالتزامن مع توقف التظاهرات المليونية التي انتقد فيها البريطانيون دولة الاحتلال، وطالبوا الحكومة البريطانية بإيقاف تصدير السلاح اليها، والبروفسور ديفيد ميلر تكلم في منشور على السوشال ميديا، عن علاقة روبنسون بدولة الاحتلال، وأنها تعود إلى عام 2009، وقد استثمرت فيه لشحن اليمين المتطرف ضد المسلمين في بريطانيا، وتغذية ظاهرة الإسلاموفوبيا في المجتمع البريطاني، وقد صدرت مذكرة اعتقال بريطانية بحقه، بانتظار عودته من الخارج، أو التعميم عنه بواسطة الإنتربول.
الحكومة البريطانية تحاول احتواء الموقف في أقصر وقت، خصوصا أن التركة التي تركتها حكومة المحافظين ثقيلة، وكلها أزمات تحتاج لحلول مستعجلة، وهذه الأعمال الفوضوية والعبثية جاءت في التوقيت الخطأ، إلا أن السلطات نجحت في مواجهتها وفي القبض على أكثر من 400 شخص ممن تورطوا فيها، وكشفت عما ينتظرهم من عقوبات في حال الإدانة، وسيشمل السابق من قاموا بالشغب في الشارع والمحرضين عليه في المنصات الاجتماعية، ولكني لم أفهم أسباب تورط (القناة 3 ناو)، بالنظر لأن موقعها مملوك لشخصين من باكستان، والأرجح أنهما مسلمان، في الترويج لهذا النوع من الشائعات، والعجيب أنها مسجلة في جمهورية ليتوانيا.
التعليقات