التجارة العالمية للأعشاب أصبحت أضخم من تجارة السلاح، والواجب أن تعمل المنظمات الأممية على مراقبتها وتنظيمها، وأصحاب الممارسات الشعبية في الطب، يحاولون تبرير إخفاقاتهم، بتوظيف إحصائية صحيحة تشير إلى أن الأخطاء الطبية في المستشفيات تمثل ثالث أكبر سبب للوفاة في العالم، والمشكلة أنهم يعملون بعشوائية فاضحة وبلا أرقام تكشف أخطاءهم الكارثية في الشرق والغرب..
لا خلاف أن الطب الشعبي يمثل جزءا من التراث الثقافي في المجتمع السعودي، والكل يحترم تاريخه القديم، ودوره في معالجة الناس قبل وجود المستشفيات، ولكنهم يؤكدون دوره الأساسي في وفيات ومشكلات كثيرة، وعندما كان الدكتور غازي القصيبي وزيرا للصحة، في بداية الثمانينات الميلادية، طلب من مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، العمل على مشروع يحدد سلبياته وإيجابياته في المملكة، وكانت مدة المشروع خمسة أعوام، وكلف في حدود 11 مليونا و500 ألف ريال، أو ما يعادل ثلاثة ملايين و67 ألف دولار، وقد تم الوصول إلى ثلاثة آلاف وصفة طبية شعبية، جمعت من العطارين والمعالجين الشعبيين والبدو الرحل، ومعهم الرعاة وعامة الناس، وبعد فحصها مخبريا، وجد أن 120 وصفة من بينها قد تكون مفيدة، والبقية بلا منفعة حقيقية أو أنها سامة وخطيرة، ويمكن اعتبار الوصفات الصالحة، بمثابة الدستور الدوائي للطب الشعبي المحلي، أو ما يعرف بـ(الفارماكوبيا) في نسخته السعودية، والتي لا تختلف عن الموجود في بريطانيا وأميركا وفرنسا، وفي ألمانيا والصين والهند، وأهل الاختصاص يعتبرون هذه الممارسة الشعبية، وبشرط التأكد من سلامتها، مجرد مكمل علاجي لراحة المريض النفسية، ولا يمكن إحلالها كبديل طبي موثوق.
الطب الشعبي يعالج العرض وليس المرض نفسه، والأدلة على ذلك كثيرة، وهو يوهم المريض بالشفاء، والمعالج يمارس سلطته على نفسية الشخص، وهذه الطريقة يسمونها في عالم الطب بـ(البلاسيبو)، وقد تمت تجربتها معملياً، على أشخاص أعطوا حبوبا بلا مواد فعالة، وآخرين أجروا جراحات، لم يحدث فيها إلا إدخالهم في إجراءاتها، وفتح وخياطة مكان الجراحة من الخارج، وكانت النتيجة المفزعة، أن المرضى في الحالتين شفوا تماما من أمراضهم، وبدون أسباب واضحة باستثناء الإيحاء والعامل النفسي، والمعالجين الشعبيين يقومون بسلوك مشابه، في استخدام الشاي الأخضر لعلاج تصلب الشرايين، وفي معالجة الجلطات بالكي، وفي الحجامة، التي تعود لأصول فرعونية، وما يصاحبها من إحساس بالارتياح، والرغبة في النوم، وتراجع في آلام الظهر، فلم يثبت أنها تعالج شيئاً محددا، من الناحية العلمية، خصوصا وأن دم الحجامة لا يتجاوز خمسين مليلتر، والأنسب التبرع بالدم لأغراض علاجية، لأنه يسهم في علاج مشكلة تراكم الحديد، وينشط نخاع العظم.
لا بد من التنبيه لفكرة مهمة، وهو أن 40% من الأدوية الموجودة في العالم، مأخوذة من مستخلصات طبيعية، أو أعشاب مثل التي يحتويها العلاج الشعبي، والأنسولين تم استخراجه في البداية من مصدر حيواني طبيعي، وقد أجريت تجارب علمية على أدوية شعبية، وتأكدت قيمتها العلاجية العالية، ومن نماذجها، كمادات (سيليولايت) التايلاندية، و(الاسكوندا) المستخدمة في علاج الإجهاد المزمن، والأبر الصينية أثبتت فاعليتها في التحكم بألم أسفل الظهر، بعد دراسة شملت 18 ألف شخص، قامت بها جامعة هارفارد الأميركية.
الشيء الآخر هو أن الطب النبوي عبارة عن طب شعبي، وهناك أشخاص منتفعون ألبسوه عباءة الدين لحمايته من الانتقاد، وبقصد الانتفاع المالي، والرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، كان، في الواقع، يستخدم أساليب العلاج المتوفرة في زمانه، ولم يقل أبداً بأنه طبيب، وإنما قال: أنتم أعلم بأمور دنياكم، ومن الأدلة الموثقة والمثبتة، ادعاء طبيبة سعودية، بإمكانية علاج سرطانات بسيطة، بأبوال وألبان الإبل، وقد استجابت لها 13 حالة مصابة بالسرطان، وكلها توفيت عند دخولها في الكورسات العلاجية.
سيأتي من يقول إن المملكة لديها مركز للطب البديل والتكميلي، منذ قرابة 26 عاماً، ولا أحد ينكر ذلك، ولكنه جاء لضبط ممارسات الطب الشعبي وحصرها وتنظيمها، وأبرزها الحجامة عام 2015، ولم يحاسب المخالفين، ممن يستقبلون المشاهير والمؤثرين والوجهاء في بيوتهم، وهم غير مرخصين ولا يعرفون القراءة والكتابة، وقد أثبت تحليل لواحدة من وصفاتهم، بواسطة مختبرات مستشفى الملك فيصل التخصصي، أنها تحتوي على نوعين من البكتيريا بنسبة كبيرة، ومعادن سامة ثقيلة كالزرنيخ والزنك، وستة أنواع من المبيدات الحشرية، وربما أدت لتليف الكبد، وإذا أعطيت لشخص مناعته ضعيفة فإنه سيموت فوراً، ومجدداً لا ضرر من الاستعانة بالطب الشعبي المفحوص والسليم، بوصفه مكمل علاجي لا أكثر، والدليل أن (مايوكلينك) تقدم خدمات الحجامة والإبر الصينية لمن يطلبها.
بالإضافة لما سبق، منظمة الصحة العالمية تضم مركزا دولياً للطب الشعبي، حرصت على إقامته الصينية (مارغريت تشان) المديرة السابقة لمنظمة الصحة العالمية، لأغراض إحصائية، واستجابة لشركات التأمين، وما تحتاجه لاستيفاء مطالبات التعويض المالي للمتضررين، فالثابت أن التجارة العالمية للأعشاب أصبحت أضخم من تجارة السلاح، والواجب أن تعمل المنظمات الأممية على مراقبتها وتنظيمها، وأصحاب الممارسات الشعبية في الطب، يحاولون تبرير إخفاقاتهم، بتوظيف إحصائية صحيحة، تشير إلى أن الأخطاء الطبية في المستشفيات، تمثل ثالث أكبر سبب للوفاة في العالم، والمشكلة أنهم يعملون بعشوائية فاضحة، وبلا أرقام تكشف أخطاءهم الكارثية في الشرق والغرب.
التعليقات