حرصت الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية على إدراج مواد الإسعافات الأولية ضمن المنهج الدراسي المعتمد في التعليم العام والجامعي، وتوجد حالات ثبت فيها أن تعلم الأطفال والبالغين لهذه الإسعافات ساهم بصورة أساسية في إنقاذهم لحياة أقربائهم والمحيطين بهم، فيما لم يتمكن أطفال وبالغون في المملكة من إنقاذ أقربائهم ومن يهتمون لأمرهم.

استنادا لمسح الصحة والسلامة في العمل لعام 2023، والذي صدر عن هيئة الإحصاء السعودية مؤخراً، فإن الإسعافات الأولية مفقودة في قطاعات مهمة محلياً، وأكبر المتضررين من ذلك هم العمالة المنزلية والقطاع الزراعي وبنحو 40 % لكليهما، ويأتي فى المرتبة الثانية العاملون من منازلهم وبنسبة 24 %، ومن ثم القطاع غير الربحي بنسبة 12 %، والقطاعان الحكومي والخاص بـ8 % للأول و10 % للثاني، وفكرة الإسعافات الأولية بدأت في القرن الحادي عشر الميلادي، وكانت لإسعاف المصابين في الحروب الصليبية، ما يفسر وجود الصليب على عرباتها في المجتمعات الغربية، وهناك في الوقت الحالي نوعان أساسيان من الإسعافات، عسكري ومدني، والأدوات وطرق الإسعاف لا تتشابه بينهما، وحتى طلعات البر والسفر يلزمها إسعاف مختلف، وأجد أن الأرقام السابقة مزعجة، لأنها تطال أنشطة حيوية، والنسب شبه الصفرية في القطاعين العام والخاص قد تكون مضللة، وسأوضح هذا لاحقاً.

في أميركا، وبحسب الإحصاءات الرسمية، تسهم الإسعافات الأولية في إنقاذ حياة 92 ألف شخص سنوياً، ورجحت الجمعية الأميركية للقلب إمكانية إنقاذ 200 ألف من المصابين كل عام، لو تم إسعافهم بالطريقة الصحيحة، وفي الدقائق الأربع الأولى من الحادثة، لأن انقطاع وصول الدم إلى الدماغ يبدأ بعد ست دقائق، ويكون الموت الدماغي بمجرد انقضاء عشر دقائق، ولا أحد ينكر أن الأجهزة المختصة، كالهلال الأحمر السعودي، تقوم بدور موسمي واضح في اليوم العالمي للإسعافات الأولية، وهو فعالية عالمية تنطلق سنوياً في السبت الثاني من سبتمبر، ويكثف الإسعاف الوطني فيها معارضه ودوراته وبرامجه، وبعدها ينام نومة أهل الكهف.

الممارسات التنظيرية، وما يتم توفيره على الإنترنت في المنصات المختلفة، يظل محدوداً في فاعليته، لأنه يفتقد إلى التطبيقات العملية التي تختبر قدرة الشخص ومهاراته، وبافتراض تنفيذه الموسمي في اليوم العالمي، فإن شريحة المستفيدين منه ستكون محدودة، والإسعافات الأولية مهمة جداً، لأن الخطأ فيها قد يؤدي لكارثة، ومثلاً، إخراج السكين أو الأجزاء الغائرة في جسم المصاب يزيد من معدلات النزيف ويسمح بدخول الهواء إلى الرئة من خارجها، ما يصعب عملية التنفس وربما أوقفه تماماً، ومساعدة الشخص على الوقوف المباشر بعد سقوطه فيه خطورة عالية، فقد يكون مصابا بهشاشة العظام، وتعرض بفعل السقوط لكسر في الرقبة أو في العمود الفقري، وهذا التصرف المتسرع قد يتسبب في قطع حبله الشوكي، ويعجل بوفاته أو إعاقته الدائمة.

الحوادث المفاجئة في البيت، والتي تطال الأطفال أكثر من غيرهم، وبالأخص الغرق والاختناق، تعتبر السبب الرئيس لموتهم عالمياً، بجانب أنها مسؤولة عن دخول 16 مليون طفل لأقسام الطوارئ سنوياً، وتوجد ضوابط سعودية تشترط أن يكون واحدا من عاملي كل الأجهزة الحكومية أو الخاصة من منتسبي القطاع الصحي، وحاصلا على دورة نظرية وعملية في الإسعافات الأولية، وألا تقل مدتها عن ستة أشهر، وبما يمكنه من إنقاذ المصابين في حالات من أبرزها: توقف القلب والغصة، ومعها النزيف والكسور والإغماءات، والمفترض أن يشمل ما سبق العمالة المنزلية، بمعنى إضافة شرط الحصول على دورة تخصصية في الإسعافات، وفي حدود المدة السابقة، لمنح تأشيرة العمل، لأن هذا سيمكنهم من مساعدة أنفسهم، ومن إسعاف الأطفال في حالات الطوارئ، ومن أمثلتها الإضافية نزيف الأنف أو ما يسمونه بـ(الرعاف)، والارتطام بجسم صلب، أو السقوط على الأرض، أو الاختناق بالطعام وقطع الألعاب.

لعل من الأدلة المشهورة على دور الإسعاف الأولي في إنقاذ الحياة حادثة النجم السعودي المعتزل ماجد عبدالله، في ربع نهائي كأس ولي العهد عام 1997، وفي مباراة الدربي بين الهلال والنصر، فقد ابتلع لسانه أثناء المباراة، ولولا التدخل في التوقيت المناسب وإخراج اللسان من مجرى التنفس لفقد حياته، مع ملاحظة وجود حالات للاعبين آخرين من خارج الملاعب السعودية فقدوا حياتهم لنفس السبب، ولأن التدخل الإسعافي لم يكن بالسرعة والجودة الكافية، وبالتالي فأرقام هيئة الإحصاء تفيد بوجود شبه كامل لأدوات الإسعافات الأولية، في القطاعين العام والخاص، ولكنها لا تساوي شيئاً بدون معرفة ومهارة، ومن الشواهد، إحصاءات 2022 الأميركية التي تؤكد أن 55 % من العاملين الذين أصيبوا في أميركا لم يحصلوا على إسعافات أولية في أماكن العمل، رغم وجود حقيبة الإسعافات فيها.

لذا فقد حرصت الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية على إدراج مواد الإسعافات الأولية، بشقيها العملي والنظري، ضمن المنهج الدراسي المعتمد في التعليم العام والجامعي، وتوجد حالات ثبت فيها أن تعلم الأطفال والبالغين لهذه الإسعافات ساهم بصورة أساسية في إنقاذهم لحياة أقربائهم والمحيطين بهم، فيما لم يتمكن أطفال وبالغون في المملكة من إنقاذ أقربائهم ومن يهتمون لأمرهم، لأنهم ببساطة لم يتدربوا على ذلك، ولعدم وجود صندوق إسعافات أولية في بيوتهم، والمسألة تحتاج إلى مشاركة ما بين وزارتي التعليم والصحة لإحداث فارق إيجابي ومطلوب وإنساني بالدرجة الأولى.