القانون الأميركي، وفي كامل الولايات المتحدة يجرم تصوير الأشخاص أو التسجيل عليهم بدون موافقتهم، والمفروض أن يتم -على المستوى المحلي- صياغة أنظمة تؤمن حماية ضد هذه الأعمال، وبما يضمن معاقبة المخالفين وتعويض المتضررين، فالتطبيقات التي يتم تسويقها لكشف الكاميرات المخفية مفيدة ولكنها ليست كافية دائماً..

شركات ما يعرف بالاقتصاد التشاركي ليست موثوقة تماماً، لأنها تقدم لعملائها ما لا تملكه، أو تستطيع التحكم فيه بشكل كامل، ومن الأمثلة عليها، فضيحة كاميرات المراقبة المخفية الخاصة بشركة (أير بي إن بي) الأميركية، والتي تقدم خدمة تأجير واستئجار العقارات السكنية على الإنترنت، بمواصفات فندقية وبأسعار أرخص من الفنادق، وتعمل كوسيط بين المؤجر والمستأجر، وذلك مقابل عمولة قدرها 20 %، وخدمات الشركة متوفرة في المملكة وفي معظم الدول، وبحسب أرقام شركة (ستاتيستا) الألمانية لعام 2023، فإن لديها خمسة ملايين مؤجر عقارات حول العالم، وتم حجز 448 مليون وحدة سكنية عن طريقها، ولكن وفي يوليو 2024، حسب شبكة (سي إن إن) الأميركية، صادرت أجهزة الشرطة في دول أميركا الشمالية آلاف الصور المأخوذة من كاميراتها المخفية داخل العقارات المؤجرة، ومن بينها ما هو حميمي ومحرج ويتناول العلاقات الخاصة بين الأزواج، بخلاف أن بعضها مخبأ في دورات المياه وفوق الأسرة بغرف النوم.

الأصعب أن الشركة وفي سبيل الحفاظ على سمعتها ومكاسبها، كانت تعمل على إبعاد شكاوى المستأجرين عن المحاكم والرأي العام، ولا تبلغ الشرطة، رغم أنها مجرد وسيط، والمسؤولية يتحملها، بالدرجة الأولى، صاحب العقار، والشاهد استقبالها لقرابة 35 ألف بلاغ من المستأجرين، خلال العشرة أعوام الماضية، ومع ذلك لم تحاول حلها أو اتخاذ ما يحول دون تكرارها، إلا في العام الجاري، عندما أعلنت حظر استخدام كاميرات المراقبة نهائياً، داخل أماكن الإقامة المستاجرة من موقعها، وقد بدأت العمل به اعتبارا من إبريل 2024، ما يفسر أسباب التحرك الأمني والتناول الإعلامي بعد سكوت طويل.. خصوصاً وأنها في السابق كانت تسمح بوضع الكاميرات، على أن تكون في مواقع داخلية ومكشوفة للمستأجرين، وتراجعها -كما بررت- جاء لأن بعض المؤجرين استغل الأمر، ولم يحترم خصوصية الآخرين، وهذا الإجراء متوقع، بطبيعة الحال، فقد وجد استطلاع أميركي حديث على الشركة أن مستأجرا من كل أربعة عثر على كاميرا مخبأة بطريقة مريبة في عقاراتها، واللافت أن مجموعة من المؤثرين السعوديين، سبق لهم الإعلان عنها، والإقامة فيها خارج المملكة، واحتمال تصويرهم وارد، وشركة (أير بي إن بي) قدرت قيمتها السوقية في 2020 بحوالي مئة مليار دولار، وحجوزاتها تجاوزت الموجود في فنادق هيلتون وحياة ريجنسي وماريوت مجتمعة.

هذا النوع من الكاميرات المخفية خطير، والإحصاءات تؤكد ارتفاع قلق المسافرين منها، وبمعدل أربع مئة في المئة في آخر عامين، وبالأخص في الغرف الخاصة بالنوم وتبديل الملابس، وفي دورات المياه العامة، والأخيرة تمت ملاحظة الكاميرات فيها ثلاث مرات، ما بين عامي 2022 و2023، الأولى من قبل سيدة خليجية في بنك بدولتها، والثانية بمعرفة سيدة عربية في منتجع سياحي ساحلي، والثالثة عن طريق مراهقة أميركية في طائرة، ومن غير المستبعد استخدامها للابتزاز بأنواعه، والكارثة أن حجمها يمكن تصغيره إلى اثنين ميليمتر، ما يعني إمكانية إخفائها في مساحات مجهرية، بالإضافة إلى خاصية البث المباشر على منصات السوشال ميديا، واستحالة استرداد أو إتلاف ما يتم تصويره أحيانا، والقضية أضخم وأعقد مما يعتقد، ومن الأمثلة، تسجيل 5900 جريمة مرتبطة بها في كوريا الجنوبية في عام 2022، وفي ذات العام، صدر قرار في بريطانيا يمنع تركيب كاميرات المراقبة المصنوعة في الصين، وتحديداً في المواقع الحساسة أو الدوائر الحكومية، وذلك على خلفية فيديو رصدته كاميرا صينية لوزير الصحة البريطاني الأسبق (مات هانكوك)، وهو في وضع مخل، وقيل إن هذه الشركات تتبادل معلومات استخبارية مع أجهزة الأمن في بكين.

وكالة بلومبيرغ نشرت تقريرا في 2019 أوردت فيه تجسسا بالصوت والصورة ويوميا لشركة أمازون الأميركية على عملائها، وأنها استخدمت فيه المساعد الشخصي (اليكسا) وسماعات (إيكو) الذكية، ومن ثم كتبت الوكالة نفسها في 2021 عن تمكن الهكرز من اختراق 150 ألف كاميرا مراقبة، وكلها تخص شركات عملاقة، حتى يثبتوا هشاشة التقنيات في الحفاظ على الخصوصية، وقد استطاعوا اختراق شركة (فيركادا)، والدخول إلى أرشيف الفيديو الخاص بعملائها، والوصول لمعلوماتهم المالية، وعددهم 5200 عميل، وزادوا عليها مستودعات ومصانع شركة (تسلا) ومكاتب (كلاود فلير)، والصالات الرياضية والمدارس والسجون ومراكز الشرطة، ووسيلتهم شبكة الـ(واي فاي) التي تعمل عليها هذه الكاميرات، ما يشير إلى أن الممارسة شائعة، ولا تتوقف عند شركات التسكين التشاركي وحدها.

أميركا تدرس، في الوقت الحالي، إقرار تشريعات توقف هذا العبث الإلكتروني وتجاوزه على حياة الناس الخاصة، والقانون الأميركي وفي كامل الولايات المتحدة يجرم تصوير الأشخاص أو التسجيل عليهم بدون موافقتهم، والمفروض أن يتم، على المستوى المحلي، صياغة أنظمة تؤمن حماية ضد هذه الأعمال، وبما يضمن معاقبة المخالفين وتعويض المتضررين، فالتطبيقات التي يتم تسويقها لكشف الكاميرات المخفية، كـ(فينغ) و(هيدن كاميرا ديتكتور)، مفيدة ولكنها ليست كافية دائماً.