د. فهد البكر

صبابة القول

اللغة العربية والهوية الوطنية

هناك عبارة جميلة لأبي منصور الثعالبي (429هـ) في كتابه (فقه اللغة وسر العربية) تؤصل لمفهوم الهوية اللغوية، والانتماء الديني، واللغوي، والوطني، وهي قوله: «أما بعد حمد الله على آلائه، والصلاة والسلام على محمد وآله، فإنّ من أَحَبَّ الله تعالى أحبَ رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم، ومن أحبَّ الرسولَ العربي أحبَّ...

سَعَد البوَاردِي: المُتَرسِّلُ الأَخِيرُ

ارتحل عنا قبل أيام قلائل الأديب السعودي (سعد بن عبدالرحمن البواردي 1348- 1446ه)، وهو شاعرٌ، وقاصٌّ، وكاتب مقالات متمرّس، ويُعَدُّ من روَّاد الصِّحافة في المملكة العربية السعودية، حصل على وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى عام 2014، وكان عمره الأدبي الثقافي مشرقاً؛ إذ اضطلع في بداياته الأولى بتأسيس مجلة...

عِندمَا تَتَحقّقُ الأحلامُ

في هذا العهد الميمون، والعصر الزاهر، تنطلق مملكتنا الحبيبة في رحلة تحوّل جميلة، تمضي فيها -بعون الله تعالى- نحو مستقبل واعد، وآمال مشرقة، في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- ومع رؤية السعودية 2030 التي أسس لها ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -أيده الله- تأتي هذه الرؤية الحكيمة لت...

الرِّوَايَةُ الحِرَفِيَّةُ

يتحاقل الأدب مع الحرفة بوصفه تعبيراً إنسانياً جمالياً يصف الكون، والحياة، والمجتمع، وأما الحرفة فهي ميدان رحيب يكشف عن أصالة ملموسة وتجذرة، كان يمتهنها الآباء والأجداد ومن سبقهم، فهي دليل على العمق التراثي، والثقافي، والجمالي، وهو أمر قد يلتقي مع الأدب في بعض وجوهه وجوانبه، ولا سيما أن الأدب قد يتناول الحر...

سِيميَائِيَّةُ الرِّيَالِ السُّعُودِيِّ

عندما تحدّث الناقد الأدبي (رولان بارت) في (درس السيميولوجيا) عن هذا العلم ذكر بأنه «علم الدلائل»، ويكاد أن يتفق أكثر النقاد على أن السيميائية علم يدرس أنساق العلامات، والأدلة، والرموز، وما توحي إليه، ومن هنا تهتم (السيميولوجيا) بالأنظمة اللغوية، وغير اللغوية، كما تبحث عن الدلالة، والمعنى، وقد ذكر نقّاد الع...

سِيميَائِيَّةُ الهِلَالِ بينَ رَمَضَانَ وَالعِيدِ

أبدع الشعراء منذ القديم في وصف الهلال، فقال ابن المعتز (296هـ): «وانظر إليه كزورق من فضة / قد أثقلته حمولة من عنبر»، وعندما وصف ابن حمديس الصقلي (527هـ) هلال رمضان أشار إلى معنى دقيق، فمنح الهلال وصفاً بلاغياً شائقاً، عندما قال: «قلتُ والناس يرقبون هلالاً / يشبه الصبّ من نحافة جسمه = من يكن صائماً فذا رمضا...

رمضان في كتب النحو والصرف

تقلّب حضور شهر الصوم في كتب اللغة بين المثال وشرحه، ففي (كتاب) سيبويه (180هـ) نجد مثلاً هذا النص: «ومما أُجري مجرى الأبد، والدهر والليل، والنهار: المحرم، وصفر، وجمادى، وسائر أسماء الشهور إلى ذي الحجة؛ لأنهم جعلوهن جملة واحدة لعدة أيام، كأنهم قالوا: سير عليه الثلاثون يوما. ولو قلت: شهر رمضان، أو شهر ذي الحج...

رَمَضَانُ في كُتُبِ البَلاغَةِ والنَّقدِ

أشرنا آنفاً في المقال السابق إلى حضور رمضان في كتب الأدب، وفي هذا المقال نسعى إلى رصد هذا الحضور لدى جملة من البلاغيين والنقاد القدامى؛ لهذا نحاول في هذا المقال الكشف عن تلك السمة في أهم كتب البلاغة والنقد، ونشير إلى أن تناول هذا الشهر جاء موزعاً بين الاستشهاد به، والمرور عليه، والتطرق له في معرض حديث عام،...

رَمَضانُ في أَعمدَةِ كُتُبِ الأَدَبِ

تعد مفردة (رمضان) من المفردات التي حَظيت باهتمام واسع لدى الأدباء في شعرهم ونثرهم منذ القديم إلى يومنا هذا، وكنا قد تناولنا الحديث عن هذا الشهر الفضيل في الأدب في رمضانات خلت، فأشرنا إلى مظاهر استقباله، وأشكال توديعه، وبعض الظواهر الأخرى التي تطرّقنا فيها لرمضان من الجانب النقدي، كالإشارة إلى ثنائية الصوم ...

النص الفائق في موقع يوم التأسيس

من يتابع الموقع الرسمي ليوم التأسيس ستدهشه تلك الجماليات التي يحملها (النص الفائق)، ونعني به ذلك النص (التشعبي) الذي يبدو على الشاشة، ويتفاعل معه المتلقي من خلال النقر عليه، ويُعرف بالإنجليزية بـ (Hypertext)، وهو نص تقاني ولد في بيئة إلكترونية، يمكّن القارئ من الوصول إليه على الفور عن طريق النقر على زر (ال...

إِيكُولُوجيَا العُنوَانِ الرِّوَائِيِّ

تشير (الإيكولوجيا Ecology ) إلى البيئة، ودراسة العلاقة بين الإنسان والحياة، وقد امتدت في هذا العصر لتندمج مع تخصصات إنسانية متنوعة، لعل من بينها: الأدب الذي هو أحد أشكال التعبير المهمة عن الإنسان وبيئته. وفي ضوء ذلك الاندماج ظهرت (الإيكولوجيا الأدبية)، ثم (النقد البيئي)، ثم تسللت فكرة (الأدب البيئي ونقده) ...

إِلَى أَيْنَ يَسِيرُ الأَدَبُ؟!

ربما عُرِف مصطلح (الأدب) في فترة زمنية تعود إلى منتصف القرن الثاني الهجري، حينما ألّف ابن المقفع (142هـ) (الأدب الكبير والأدب الصغير)، ثم لما صنع ابن قتيبة (276هـ) كتابه (أدب الكاتب)، ثم عندما صنّف المبرّد (285هـ) كتابه (الكامل في اللغة والأدب)، ثم تتابعت المؤلفات فيما بعد مستعملة لفظة (الأدب)، كما عند أبي...

مُؤَلِّفُونَ حِرَفِيُّونَ

يأتي هذا المقال انطلاقاً من التوجه الثقافي الذي رأته وزارة الثقافة هذا العام (2025م) للاهتمام بالحِرَف اليدوية، وما تمثّله من تجسيد لموروثنا الإبداعي، وتفاصيلنا الثقافية المتنوعة، وترسيخ مكانة الحِرَف اليدوية محلياً، وعالمياً، بوصفها تراثاً ثقافياً، وركيزة من ركائز الهوية السعودية؛ لذلك يحسب للوزارة سعيها ...

المصطفى في الأَدَبِ الحَدِيثِ

شَرُفَ الأدبُ بوصف المصطفى –صلى الله عليه وسلم– فتنافس شعراء الصحابة –رضوان الله عليهم– في مدحه، والثناء عليه، والدفاع عنه، كما رأينا في قصائد حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن زهير، وغيرهم، وكانت أوصافهم جميلة بجماله –صلى الله عليه وسلم-. وأبدع الكُتّاب منذ القديم في وصفه –صلى الله ع...

مَدْخَلٌ إلى الأَدَبِ الجِنَائِيِّ وَنَقْدِهِ

يمكن وصف الأدب بالجنائي، أو القضائي، أو القانوني، غير أن الأدب الجنائي قد يكون أعم؛ لأن القضاء، أو القانون إنما هما ردّ فعل يأتي بعد الجناية؛ لذلك فالأدب الجنائي ينبع من الجنايات، وما ينبني عليها من المرافعات القضائية، والمسائل القانونية، والتحريات الأمنية، وما فيها من الاستجوابات، والتحقيقات، ونحوها؛ ولهذ...

أَصنَافُ القَارِئِ الاجتِمَاعِيِّ

في ضوء نظرية التلقي التي اهتمت بالقارئ، وأعادت له مزيداً من الوهج، وبعثت فيه كثيراً من الاهتمام، تبدو عنايتها بأفق التوقع لدى المتلقي منذ العقد السادس من القرن الماضي، حيث اضطلعت بنقد استجابة القارئ، سواء أكان واحداً، أم مجموعة (جمهور)، وكان تركيزها متوجهاً نحو أثر هذا المستقبِل في قراءة عمل أدبي ما؛ لذلك ...

مَطَالِعُ الأَعوَامِ وِنِهَايَاتُهَا

توقّف الكتّابُ كثيراً في نصوصهم عند مطالع الأعوام وخواتمها، وكان أكثر تناولهم لها متنوعاً بين استقبالها، ووداعها، مع عاطفة تشي بالحزن أحياناً، واللوعة على الفراق، وانصراف الأيام، وإدبار الأعوام، وتولي العمر؛ ولذلك قال الشاعر: «إنا لنفرح بالأيام نقطعها / وكل يومٍ مضى يُدني من الأَجَل»، وقال الآخر – وأظنه ال...

فِي مَعْنى السُّؤَالِ

لفتت انتباهي عبارة تنسب للعالم الفيزيائي (ألبرت أنشتاين 1955م)، وسواء أصحّت نسبتها له، أم لغيره، فهي مفتاح لكل ما قد يستغلق أمامنا، وباب لكل ما نسعى إلى استيضاحه، وهي أداة مهمة في سبيل التعلّم، وطلب المعرفة، كما أنها أسلوب ينتهجه الصغير والكبير، والمعلّم والتلميذ، والمفكّر، والمهندس، والطبيب، والإنسان على ...

كأس العالم

منذ الصغر كنا نحلم بمشاركة أي منتخب عربي لكرة القدم في كأس العالم، كنا يومها نفرح ونزهو حينما يمثلنا العرب أمام أقوى المنتخبات التي عرُفت بسيادتها الكروية، لكن فرحتنا كانت مختلفة جداً يوم شارك منتخبنا السعودي في مونديال كأس العالم بأميركا عام 1994م، كنتُ حينها في المرحلة الابتدائية، وكانت أول مباراةٍ لمنتخ...

فِي أَدَبِ الضِّيَافَةِ

جاء في معجم الخليل بن أحمد الفراهيدي (170هـ) المعروف بكتاب (العين) وهو رائد معاجم اللغة: «وتضيفت فلاناً: سألته أن يضيفني (...) ويجمع الضيف على: ضيوف، وضيفان. وفي لغة: هي ضيف، وهو، وهما، وهم، وهن ضيف، قال الله -عز وجل- «إن هؤلاء ضيفي». ومما ذكره الخليل حول هذه الكلمة استعمال لفظة (الضيافة)، يقول: «وضفت فلان...

في أَنوَاعِ السَّردِ

أشار الناقد الأميركي المعاصر (يان ما نفريد) في كتابه (علم السرد، مدخل إلى نظرية السرد) إلى بعض المستويات السردية التي أطلق عليها (أجناس السرد) وقال: «يوجد أشكال لا حصر لها من السرد في العالم. أولاً وقبل كل شيء، هناك تنوع مذهل من الأجناس الأدبية، كل منها يتشعب إلى وسائط، كما لو أن كل المواد يمكن أن تطوع لتس...

فَنُّ الحَوَاشِي

جاء في أحد معاجم اللغة، وهو (الصحاح) لأبي نصر إسماعيل بن حماد الجوهري (393هـ) في مادة (ضعف): «وقولهم: وقّع فلان في أضعاف كتابه، يراد به توقيعه في أثناء السطور، أو الحاشية»، وورد في معجم (تاج العروس من جواهر القاموس) للزبيدي (1205هـ): «وحاشية الكتاب: طرفه، وطرّته»، كما جاء في (المعجم الوسيط): «الحاشية من كل...

أُنْمُوذَجَاتٌ من (الإِيكُولُوجِيَا) الأَدَبِية

يدخل توظيف البيئة ضمن النسيج الأدبي، بمعنى أن البيئة قد تكون عنصراً رئيساً في الإبداع الأدبي، سواء أكان شعراً أم نثراً، فتتحكم البيئة في رسم صورة الأدب، وأمثلة ذلك كثيرة في تراثنا العربي، يمكن أن نلمسها في وصف المياه، والصحارى، والرمال، والجبال، والأحجار، والأشجار، والأزهار، والبحار، والأنهار، والحيوانات، ...

أَدَبُ البَرقِيَّاتِ

البرقيات جمع برقية، ولعلها أُخِذتْ من البرق الذي هو الضوء اللامع في السماء؛ لهذا جاء في المعجم الوسيط: «البرق: الضوء يلمع في السماء على إثر انفجار كهربائي في السحاب، وجهاز نقل الرسائل من مكان إلى آخر بعيد، بوساطة إشارات خاصة»، و»البَرقِيَّةُ: رسالة ترسل من مكان إلى آخر بوساطة جهاز التلغراف»، وقد عُرّفت في ...

في شعرية المقدمات الروائية

أشرنا آنفاً في عدد سابق من أعداد صحيفتنا العزيزة صحيفة «الرياض» إلى (المطلع الروائي)، وذلك بالإشارة إلى مفهومه، وقيمته، وبعض نماذج منه، وقد لفتنا في ذلك المقال إلى أن جمالية المطلع الروائي تكمن في شعريته، وفي الوسائل التي تؤدي إلى أدبيته؛ فليس المهم أن يكون لافتاً للانتباه فقط، أو جاذباً فحسب، بل الأهم أن ...

المورفُولوجيَا السّردِيةُ

ربما يكون الناقد الروسي (فلاديمير بروب 1970م) من أوائل نقاد السرد السيميائيين الذين ربطوا بين (المورفولوجيا)، و(السرد)، وذلك في كتابه (موروفولجيا القصة)، أو (مورفولوجيا الخرافة)، حيث ذهب إلى «أن الوظائف في بعض الأحيان لا تتالى مباشرة، فإذا قامت شخصيتان مختلفتان بإنجاز وظيفتين متتاليتين، فإنه يتوجب على الشخ...

عَليكَ سَلامُ اللهِ في عَرَفَاتِ

يوم عظيم من أيام الدنيا، قال الله تعالى فيه: «فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ»، وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم - كما في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها -: «ما مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه عَبْدًا مِنَ النَّا...

مِن التَّشخِيصِ إلى الأَنْسَنَةِ

تعود كلمة (التشخيص) في المعاجم اللغوية إلى مادة (شخص)، وقد أوردها الخليل بن أحمد الفراهيدي (175هـ) في معجمه (كتاب العين) حيث قال: «شخص: الشَّخْصُ: سوادُ الإنسان إذا رأيته من بعيد، وكلّ شيءٍ رأيت جُسمانَه فقد رأيت شَخصَه، وجَمعُه: الشُّخوص، والأشخاص. والشُّخوص: السير من بَلدٍ إلى بلد، وقد شخص يَشخَصُ شُخُوص...

شَرَفِيَّاتٌ

جاء في كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي (170هـ) إشارة إلى معاني مادة (شرف) ودلالاتها، فمن ذلك: «الشرف: مصدر الشريف من الناس. شرف يشرف، وقوم أشراف، مثل: شهيد، وأشهاد ونصير، وأنصار. والشرف: ما أشرف من الأرض. والمشرف: المكان تشرف عليه وتعلوه. ومشارف الأرض، أعاليها. ولذلك قالوا: مشارف الشام، والشرفة: التي ت...

رَحِيلُ البَدْرِ

حين يموتُ الشعراءُ تخلّد ذكرهم قصائدهم، وتتحدث عن آثارهم أشعارهم، فكأنهم باقون في نفوس الناس لا يفارقونها، تعود ذكراهم وتتجدد في كل بيت شعري أبدعوه، وعند كل معنى مطرِب نسجوه، يتذكرهم من مرّ بموقفٍ صعب، أو فارق إنساناً عزيزاً، أو أحبَّ حبّاً مخلصاً، أو فرح فرحاً غامراً، أو عاتب بلطفٍ، أو كره دون سخفٍ، أو فخ...