د. فهد البكر

صبابة القول

عَليكَ سَلامُ اللهِ في عَرَفَاتِ

يوم عظيم من أيام الدنيا، قال الله تعالى فيه: «فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ»، وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم - كما في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها -: «ما مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه عَبْدًا مِنَ النَّا...

مِن التَّشخِيصِ إلى الأَنْسَنَةِ

تعود كلمة (التشخيص) في المعاجم اللغوية إلى مادة (شخص)، وقد أوردها الخليل بن أحمد الفراهيدي (175هـ) في معجمه (كتاب العين) حيث قال: «شخص: الشَّخْصُ: سوادُ الإنسان إذا رأيته من بعيد، وكلّ شيءٍ رأيت جُسمانَه فقد رأيت شَخصَه، وجَمعُه: الشُّخوص، والأشخاص. والشُّخوص: السير من بَلدٍ إلى بلد، وقد شخص يَشخَصُ شُخُوص...

شَرَفِيَّاتٌ

جاء في كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي (170هـ) إشارة إلى معاني مادة (شرف) ودلالاتها، فمن ذلك: «الشرف: مصدر الشريف من الناس. شرف يشرف، وقوم أشراف، مثل: شهيد، وأشهاد ونصير، وأنصار. والشرف: ما أشرف من الأرض. والمشرف: المكان تشرف عليه وتعلوه. ومشارف الأرض، أعاليها. ولذلك قالوا: مشارف الشام، والشرفة: التي ت...

رَحِيلُ البَدْرِ

حين يموتُ الشعراءُ تخلّد ذكرهم قصائدهم، وتتحدث عن آثارهم أشعارهم، فكأنهم باقون في نفوس الناس لا يفارقونها، تعود ذكراهم وتتجدد في كل بيت شعري أبدعوه، وعند كل معنى مطرِب نسجوه، يتذكرهم من مرّ بموقفٍ صعب، أو فارق إنساناً عزيزاً، أو أحبَّ حبّاً مخلصاً، أو فرح فرحاً غامراً، أو عاتب بلطفٍ، أو كره دون سخفٍ، أو فخ...

شعرنة الأخلاق عند بعض أدباء العصر الحديث

ألّفَ الأقدمون في الأخلاق أمثال: الجاحظ (255هـ) في كتابه (تهذيب الأخلاق)، وابن حبان البستي (354هـ) في كتابه (روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)، ومسكويه (421هـ) في كتابه (تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق)، وابن حزم الأندلسي (456هـ) في كتابه (الأخلاق والسير)، أو (رسالة في مداواة النفوس وتهذيب الأخلاق والزهد في الرذيلة...

نجد بوصفها مطلعاً شعريّاً

للمطلع الشعري أهمية بالغة في نفوس الشعراء وعند من يتذوقون الشعر، وليس المطلع مفتاحاً للقصيدة أو مصراعاً فحسب، بل هو شعلة الإبداع الأولى التي تنبه الإحساس، وتوقظ العواطف، وتبعث على الجمال؛ ولهذا أَولاه بعض النقاد قديماً عنايتهم، فأطلقوا عليه أوصافاً من قبيل: البداية، والمقدمة، والاستهلال، والافتتاح، وتوقّف ...

بطاقة معايدة أدبية

كل عام أنتم بخير، هذه العبارة الجميلة التي طالما كانت قالباً لفظياً جمالياً يشبه باقة الورد التي تقدّم في مناسبة عزيزة، عبارة وسمها الدعاء بميسم الجمال والجلال، وأصبح لازمها اللفظي (وأنتم بخير) مرتبطاً بها، غير خارج عن مسارها، وليس ببعيد عن ألفاظها ومعانيها، مشتق منها، وعائد إليها، كالسلام ورّده، والترحيب ...

اِنْقِضَاءُ رَمَضَانَ: قِرَاءَةٌ أَدَبِيَّةٌ في الخِطَابِ التَّودِيعِيِّ

كلما دنا رمضان من الانتهاء، وأوشك على الرحيل والانقضاء، تجدّدت في النفوس مشاعر متباينة في وداعه، ما بين فرحٍ بتمام الصيام، وحزنٍ على الرحيل والانصرام، وهو ما جعل الناس في توديعه فريقين: متفائل، ومتشائم، ولكل من التفاؤل والتشاؤم درجاته، فأما درجات التفاؤل فأعلاها الرضا والفرح والاستبشار، وأدناها الابتسامة، ...

سِيميَائِيَّةُ الخِطَابِ في أَحَادِيثِ الصّوَمِ

تنفتح السيميائية على العلامات وما تدل عليه، أو الرموز وما تشير إليه، وهي منهج نقدي حديث، ومعاصر، وإن كانت إشاراتها معروفة في القديم عند بعض الفلاسفة اليونانيين، كأفلاطون، وأرسطو، وغيرهما، والواقع أن السيميائية منذ إرهاصاتها الأولى، إلى اهتماماتها المعاصرة، بقيت في فلك العلامة، تحوم حولها، وتدور في مدارها، ...

تَدَاوُلِيَّةُ الخِطَابِ في أَحَادِيثِ الصّوَمِ

التداولية علم استعمال اللغة، وهي مبحث حيوي يجعل الخطابات أكثر تفاعلاً، وذلك من خلال مراعاة المقام، وأحوال المخاطب، وكيفيات التواصل، وأغراض الكلام، وقوانين الإقناع، وما يرمي إليه من مقاصد، وغايات، فهي تنظر إلى اللغة بوصفها ظاهرة خطابية، وتواصلية، واجتماعية في آن؛ لذلك تنهل التداولية من مشارب عدة، تصب في تعز...

أَدَبِيَّةُ الخِطَابِ في أَحَادِيثِ الصّوَمِ

يستهل الإمام البخاري (256ه) - رحمه الله - كتاب الصوم في صحيحه المعروف بباب (وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ)، وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، حيث شرع باستشهاد قرآني، استعان فيه بما يطلق عليه ...

الحَمَاسَاتُ العَصرِيَّةُ

الحَمَاسَاتُ جَمعُ حَمَاسةٍ، وهي مختاراتٌ من الشعر ينّتخبها بعضهم من شعر شعراء مشهورين، أو مغمورين، وقد عُرِفت تلك المختارات أول ما عرفت مع شرّاح المعلقات، ثم مع بعض الكتب التي صُنِّفت في باب الاختيارات، كـ (المفضليات) للمفضّل الضبّي (175هـ)، و(الأصمعيات) للأصمعي (216هـ)، ثم ظهرت بعد ذلك الحماسات التي تصنّ...

أَنْسَنَةُ الإِبِلِ في الأَدَبِ العَرَبِيِّ

كنا استهللنا هذا العام الميلادي بمقال في صحيفتنا العزيزة، صحيفة الرياض، بعنوان (الإِبِلُ بِوَصفِهَا عَلَامَةً ثَقَافِيَّةً)، وكنا أشرنا فيه إلى أن الإبل أضحت اليوم علامة سعودية أصيلة، ذات أبعاد ثقافية، يمكن أن تضاهي ما تعتد به الحضارات الأخرى من اعتزاز ببعض حيواناتها الأصيلة؛ لذلك تأتي موافقةَ مجلس الوزراء...

اللُّغَةُ العَرَبِيَّةُ وَيَومُ التَّأسِيسِ

هذا عنوانٌ عريضٌ للندوة الاحتفائية التي نظّمتها (الجمعية العلمية السعودية للغة العربية) في جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض قبل أيام، وذلك في مساء يوم الأربعاء الحادي عشر من شهر شعبان من العام خمسة وأربعين وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية، الموافق لليلة الثاني والعشرين من شهر فبراير من العام أربعة وعشرين ...

اليَومُ العَالميُّ للقِصَّةِ القَصِيرَةِ

يعد القصص أمراً مهماً في حياة كثير من الناس، ولا نبالغ إذا قلنا: إن الحياة لا تخلو من القصة في كل تفاصيلها، فالواعظ يحتاج إليها في وعظه، والمؤرخ يستند عليها في رواية الآثار والأخبار، والطبيب يلجأ إليها عندما يحاور مرضاه، ويستمع لمشكلاتهم، والقاضي يعتمد في أحكامه عليها عندما يسرد المتخاصمون أمامه قضيّتهم، و...

فِي الخِطَابِ الأَخلاَقِيِّ

قبل أن ندخل إلى الحديث عن الخطاب الأخلاقي من المهم أن نشير إلى أن هذا الخطاب هو كل نصٍّ شعري أو نثري، مكتوب، أو شفاهي، أو مسموع، أو مرئي، ومعلوم أن تصنيف الخطاب إلى خطابات فعل معهود عند النقاد قديماً، منذ عهد (أرسطو) الذي ميّز بين خطاب شفوي، وتشاوري، وقانوني، وحدوثي، وإشاري، ونحوه، وهو فعل المعاصرين أيضاً ...

السَّردُ الرّيَاضِيُّ

لفت انتباهي وأنا أتجوّل في فضاء منصة (إكس) الشهيرة، ما أبدعه الدكتور حسن النعمي من سرد رياضي ماتع، وذلك في ملصقين جداريين يحملان توقيعه، وصورته، فالأول بعنوان: (سردية كأس آسيا 1)، والثاني بعنوان: (سردية كأس آسيا 2)، والحق أنني استمتعتُ معه في أجواء الحكاية التي أخذتني إلى زمن جميل، وماضٍ مليء بالذكريات وال...

مَدْخَلٌ إلى (إِيكُولُوجِيَا) الأَدَبِ

تشير كلمة (إيكولوجيا Ecology) إلى العلم الذي يهتم بدراسة العلاقة بين الكائنات الحية -بما فيها الإنسان- والبيئة، وذلك من خلال فهم التفاعل الذي يجمع بين تلك العناصر، ويشمل ذلك الفهم أيضاً التعرف على النظام البيئي في تفاعله مع الإنسان، والحيوان، والنبات، والجماد، وتفاعل تلك المظاهر معه، وذلك ابتغاء الوعي العم...

القَصِيدَةُ الإِدَارِيَّةُ أو الشِّعْرُ الإِدَارِيُّ

لونٌ جديد من الشعر، لا أحسبه معروفاً، أو مألوفاً، ولا أدّعي أنني أول من أشار إليه، أو كشف عنه، أو أتى فيه بجديد، لكنني في حقيقة الأمر حاولتُ أن أتلمّس هذا العنوان في محركات بحثٍ مختلفة؛ لعلي أظفر بشيء موافق لهذا الموضوع، أو قريبٍ منه على الأقل، فلم أجد شيئاً ذا بال؛ ولهذا أجدني مضطراً إلى القول: إن هذا الش...

فِي المَنَاهِجِ النَّقدِيَّةِ: المَنهَجُ الإِنشَائِيُّ

أول ما يواجهنا من إشكال في التعرف على المنهج الإنشائي بوصفه منهجاً نقديًّا هو التباسه بالإنشائية الأدبية، والإنشائية البلاغية، ومعلوم أن الإنشاء عند أهل الأدب هو: القطعة الأدبية النثرية، وهو عند البلاغيين: الكلام الذي لا يحتمل صِدقاً، ولا كذباً، وما لا يحصُل مضمونه، أو يتحقق إلا إذا تلفّظت به، ويقسّم البلا...

الإِبِلُ بِوَصفِهَا عَلَامَةً ثَقَافِيَّةً

دلّت آيات من القرآن الكريم على عظمة خلق الإبل، فقال تعالى: "أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ"، وقال تعالى: "وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ"، وقال تعالى: "حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ"، وقال تعالى: "إِنَّا مُرْسِلُواْ ٱلنَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ"، وقال تعالى: "وَمِنَ ٱل...

نَحْوَ كِتَابَةٍ سِيَرِيَّةٍ لِلأَشيَاءِ

لا يمكن لغير الإنسان أن يكتب سيرته بنفسه، أو أن يتحدث عن حياته، فلا يمكن للحيوان، ولا الطير، ولا النبات، ولا الجماد أن يقصّ علينا من أخباره، أو أسراره، أو يتحدث عن عواطفه، ومشاعره، كل ذلك إنما هو من صميم عمل الإنسان، غير أن عدم قدرة الأشياء على الكتابة عن ذاتها لا يعني عدم التعبير عن مكنوناتها؛ ومن هنا كان...

نَقْدُ استِجَابَةِ القَارِئِ

يدخل هذا العنوان نقديًّا في (نظرية التلقي)، وهو محور مهم ترتكز عليه هذه النظرية، إضافة إلى (أفق التوقع - أفق الانتظار - اندماج الأفق - المسافة الجمالية - تغيّر الأفق - تأسيس الأفق..)، وتلكم مباحث نقدية حديثة وُلدت (بعد البنيوية)؛ لكي تعيد للقارئ وهجه، وهيبته، ولكي توجّه نقده، وتحاول تصفيته، وإعادة برمجة اس...

الشِّعْرُ وَالفُنُونُ

نحتفل بعد يومين باليوم العالمي للغة العربية، تحت شعار (اللُّغَةُ العَرَبِيَّةُ: لُغَةُ الشِّعْرِ وَالفُنُونِ)، وهو موضوع مهم في بابه، نظراً لما فيه من تحاقل بين العلوم والفنون، ولعل هذه العلاقة بين الشعر والفن هي شكل من ضروب هذا التحاقل؛ ولهذا جعل الفرنسي (إيتيان سوريو1979م Etienne Souriau) الأدب ضمن دائرة...

فِي المنَاهِجِ النّقدِيَّةِ: النِّقدُ الثَّقَافِيُّ

تبدو الإشكالية الأبرز في موضوع النقد الثقافي في اصطلاحه، وفي نشأته، وريادته، فالثقافية هنا ليست نعتاً للنقد فحسب، وإنما هي تحديد لمنهج نقدي طارئ، لم يكن معهوداً، أو معدوداً في جملة المناهج النقدية، وصفوة القول: إن النقد الثقافي أخذ يستمد من الثقافة مادته، مقللّاً من وهج النقد الأدبي، أو مُزيحاً له في أكثر ...

السُّعُودِيُّونَ كَسَبُوا (إِكْسبُوا)

فَازتْ رِياضُنا الحبيبة، قبل أيامٍ قريبة، باستضافة معرض (إكسبو) الدولي 2030، ويأتي فوز عاصمتنا العزيزة (الرياض) تأكيداً على الريادة التي تتبوؤها المملكة العربية السعودية في مختلف المجالات، فالرياض مدينة عظيمة لا يليق بها إلا الشيء العظيم، والمملكة العربية السعودية عظيمة لا ترضى بغير المكان العظيم، والمرتبة...

الزَّمَنُ في العُنوَانِ الرِّوَائِي

تعد الرواية العربية ذات العنوان الزمني قديمة الظهور، إذ ترجع شواهدها إلى تاريخ نشأة الرواية، فقد رأينا الزمن يلوح في الواجهة الأولى للرواية على نحوٍ واقعي معروف (الماضي والحاضر والمستقبل)، غير أننا قد نجد له أثراً آخرَ أكثر وضوحاً في المفارقات الزمنية، وأظن أن أكثر الدارسين والنقاد - العرب وغيرهم – قد انشغ...

النَّقْدُ الانفِعَالِيُّ

بُني النقد منذ نشأته قديماً على الحكم بالجودة، أو الرداءة، أو القوة، أو الضعف، ومن الطبيعي في الأحكام النقدية ظهور انطباع آخر لدى الطرف المقابل، إذ قد ينجر عن تلك الأحكام ردود أفعالٍ طبيعية، وربما ظهرت ردود أفعالٍ غريبة، وهي ردود تبدأ من عدم تقبّل الحكم النقدي، إلى رفضه، أو الاستهتار به، وربما تهجينه وتهوي...

دَرَجَاتُ النَّقْدِ الأَدَبِيِّ

الذي يتأمل مسيرة النقد الأدبي عند العرب سوف يلحظ مروره بأطوار عديدة، وأشكال مختلفة، ومن خلال تلك الأطوار والأشكال تشكّلت لدى الثقافة العربية حصيلة هائلة من الممارسات النقدية التي جعلت من النقد الأدبي أكثر ثباتاً ورسوخاً، بل أكثر تطوراً وتجدداً؛ إذ لم يقف النقد الأدبي في دائرة منغلقة، وإنما سمح لنفسه بأن يت...

المَطَالِعُ الشِّعرِيّةُ

من يتأمل مطالع القصائد في الشعر العربي يجدها لا تخرج عن شكلين: فإما أن تكون ذات إشعاع يجذب القارئ، وينير له دروب القصيدة، وإما أن تكون بيتاً عابراً موقعه الصدارة فحسب، وهنا تبدو قيمة المطلع في الشعر مهمة في كونها مفتاحاً لكل أبواب الجمال التي ينشدها الشاعر، حتى لقد أضحت المقدمة في بعض القصائد قصيدة في حد ذ...